بات ​ترسيم الحدود البحرية​ الجنوبية على كل شفّة ولسان، وهو يأخذ حجماً متزايداً يوماً بعد يوم، كونه ملف مهم على اكثر من صعيد: سياسياً واقتصادياً وعلى خط الصراع مع ​اسرائيل​، وبالتالي فإن دسامة هذا الملف وغناه لا تقتصر على الثروة الطبيعية على الرغم من اهميتها.

من هنا، تتضح اسباب الصراع على هذا الموضوع، فرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وفريقه تواقون للوصول الى اتفاق قبل انتهاء الولاية الرئاسيّة، علماً ان المسافة الزمنية المتبقية من الولاية باتت تلفظ انفاسها الاخيرة، اما معارضوه فيستميتون لعدم الوصول الى هذا الاتفاق كي لا يسجل في خانة العهد، ولقطع الطريق على ايّ انجاز تاريخي يمكن ان يسجّل لعون. ولكن، ما سهى عن بال البعض هو انه في حال لم يتم التوصل الى اتفاق قبل خروج عون من قصر بعبدا، فإنّ الانجاز سيقع حكماً ومن دون اي مجهود، في خانة الرئيس الجديد، انما هل ستطول فترة الانتظار ام لا؟.

اضافة الى ذلك، سيكون الرئيس العتيد امام امتحان آخر، هو ترسيم الحدود مع سوريا حيث سيضغط معارضو التفاهم مع سوريا للوصول الى مثل هذا الاتفاق، وهو امر محق بطبيعة الحال لانه اساسي بالنسبة لاي بلد ان تكون حدوده معروفة، لكن السوريين لن يتعاونوا في هذا الاطار، خصوصاً في ظل النزاع الاقليمي والدولي، ولن يخسروا مجّاناً ورقة تريحهم نوعاً ما. وعليه، سيجد الساكن الجديد لقصر بعبدا نفسه عرضة لنيران المطالبة بالترسيم في الجهة المقابلة، وقد يكون هو نفسه من دعاة هذا الامر، الا انه سيجد نفسه في قفص الاتهام الذي سيضعه فيه قسم من اللبنانيين، ولو بعد فترة قصيرة على تسلمه مهامه، لانه وفق العرف السائد، فإنّ ايّ رئيس للجمهورية يتسلم منصبه يحظى بداية عهده بالتصفيق والترويج، ليبدأ مساراً انحدارياً غالباً ما ينتهي بالدعوة الى خروجه من مقر الرئاسة قبل انتهاء الولاية.

سباق الترسيم والرئاسة محتدم، وما تحديد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب نهاية ايلول الحالي موعداً لمعرفة الخيط الابيض من الاسود حول الموضوع، سوى انعكاس واضح لمدى جدية المنافسة، مع الاخذ في الاعتبار تشديده على التزام الاميركيين المعلن والمهم لاولوية الوصول الى اتفاق بشكل سريع. هذا الامر يعني عملياً ان الاميركيين يتفهمون رأي المطالبين بعدم اقرار الاتفاق قبل نهاية ولاية عون، ولكنهم يدرسون جدياً مدى فائدة هذا الامر، ليس كرمى لعيون عون بطبيعة الحال، انما من اجل الاستفادة من مردود الاتفاق عليهم وعلى اسرائيل والحلفاء، وعلى القارة الاوروبية ايضاً في ما خص ازمة الطاقة التي حطت رحالها في القارة العجوز بفعل الحرب بين ​روسيا​ واوكرانيا، وبات من الصعب تجاهلها او التحفيف من وطأتها.

وبين المستعجلين للوصول لأي الاتفاق والداعين الى التريث قليلاً، يبقى المعيار الواضح والاساسي هو المصلحة الدولية التي وحدها تساهم في ترجيح احد الخيارين، فاذا كان الانتظار سيؤدي الى مشاكل وتعقيدات اقليمية ودولية، فالاستعجال سيكون الحل الوحيد المتوفر، اما اذا كان من المضمون ان يبقى "الستاتيكو" الحالي من دون تغيير، فلا مانع عندها من تبريد الاجواء مع كل ما يعنيه ذلك من زيادة في نسبة الاتصالات واللقاءات لضمان عدم فلتان الامور وجنوحها حيث لا يريدها احد ان تكون.

معارضو عون يريدون ان يكون الترسيم على انقاض عهده، ولا يبخلون بأيّ جهد من اجل هذا الامر، فيما مؤيدوه يراهنون على عامل الضغط الذي برأيهم سيسرّع في وضع الانجاز في خانة العهد بشكل دائم وتاريخي. السباق محتدم، والنتيجة لن تتأخّر في الظهور، ولكن في كل الاحوال فإنّ الامور لن تجد طريقها الى الحلّ بالنسبة الى لبنان إنْ تمّ التوقيع او لم يتمّ.