أن يَكونَ ​لبنان​ُ، في علاقَتِهِ بالمُطلَقِ، فِعلاً غائِيَّاً، في مَسيرَةٍ مُشتَرَكَةٍ لِجَميعِ ابنائِهِ، فَفي ذَلِكَ إلتِزامٌ تَحَدِّيهِ في القَلبُ.

وأن يَكونَ، بَسَبَبٍ مِن علاقَتِهِ بالمُطلَقِ المُنسَكِبِ عَلَيهِ مِن فَوقٍ، وَطَناً، فَفي ذَلِكَ بُلوغُ آفاقٍ مُتمازِجَةٍ، وَليدَةَ إنسِجامٍ مُنَظِّمُهُ التَعَقلُنُ.

وَعدُ وَعَهدٌ.

فيهِما الحُرِيَّةُ مُرتَفِعَةٌ الى مُستَوى الضَرورَةِ المُرتَكِزَةِ على هوِيَّةٍ جامِعَةٍ تؤصِّلُ مَبدأ "الأنا هوَ النَحنُ، والنَحنُ هو الأنا"، القادِرُ على تَطويرِ الفِعلِ الى تَنَوّعٍ فَعَّالٍ، كَفيلٍ بِبُلوغِ مُصالَحَةِ التَضادُيَّةِ والبِنَائِيَّةِ.

هذا الجَلاءُ الرافِضُ الإكتِفاءَ بَمُجَرَّدِ تَعايُشٍ لِجَماعَةٍ بِمُحاذاةِ جَماعَةٍ، مُرتَكِزٌ على تَكافُلٍ يَحمِلُ ما قَبلَ المُطلَقِ الى ما بَعدَ الدَهرَنَةِ، وَيُدرِكُ مُتَطَلِّباتِ الواقِعِ السياسِيِّ في ظِلِّ مَسؤولِيَّةٍ بالِغَةٍ لِلحَقِّ عَلى أرضٍ مُختارَةٍ.

هوَ لبنانُ هَذِهِ الأرضُ لِدياناتٍ لَيسَت بِمُغلَقَةٍ، ولِطوائِفَ لَيسَت بِمُقفَلَةٍ.

أن تَكونَ هَذِهِ الأرضُ مُصادَرَةً مِنَ القَبَلِيَّاتِ الإفسادِيَّةِ والإقطاعِيَّاتِ المُستَوحِشَةِ، تِلكَ هي النَقيضُ النَقيضُ لِلبنانَ.

لِرَئيسِ المَجلِسِ الإسلامِيِّ الشيعيِّ الأعلى الراحِلِ الشَيخِ محمَّد مَهدي شمس الدينِ وَصايا سَجَّلَها في الأسبوعِ الأخيرِ مِن حياتِهِ في العامِ 2001، للعامَّةِ وَلِلمُسلِمينَ خاصَّةً وَلأتباعِ "أهلِ البَيتِ" بِوَجهِ الخُصوصِ. يُؤكِّدُ فيها: "لَقَد أرسَينا المَبدأ الأساسِيَّ والأهَمَّ في تاريخِ لبنانَ السياسيِّ، وَهوَ أنَّ "لبنانَ وَطَنٌ نِهائِيٌّ لِجَميعِ بَنيهِ"، لِقَطعِ دابِرِ أيَّةِ مَخاوِفَ مَسيحِيَّةٍ مِن قَضايا الذَوَبانِ والإندِماجِ... والحَقيقَةُ أنَّ هَذا المَبدأ وُضِعَ لَيسَ فَقَط إستِجابَةً أو تَرضِيَةَ لِلمَسيحِيِّينَ بَل كانَ ضَرورَةً لِلإجتِماعِ اللبنانيِّ وَلِبَقاءِ كَيانِ لبنانَ. لَيسَ لِمَصلَحَةِ لبنانَ وَشَعبِهِ فَقَط، وإنَّما لِمَصلَحَةِ العالَمِ العَرَبِيِّ في كَثيرٍ مِنَ الأبعادِ، وَحتَّى لِمَصلَحَةِ جَوانِبَ كَثيرَةٍ مِنَ العالَمِ الإسلامِيِّ".

المُشاوَرَةُ الخاصَّةُ مَعَ اللهِ

مِن "مَشروعِ الديمُقراطِيَّةِ العَدَدِيَّةِ القائِمَةِ عَلى مَبدأ الشورى الشَعبِيَّةِ"، الى مِيثاقِ-الصيغَةِ، طَريقُ تَعَقلُنٍ مُضادٍ لِنَقيضِ لبنانَ، سَلَكَهُ الإمام بِقُربِهِ مِنَ الإمامِ-المنارَةِ موسى الصَدرِ، وَرَفَعَهُ مُنذُ طَليعَةِ الحُروبِ اللبنانِيَّةِ الى مُفتي الجُمهورِيَّةِ والبَطريَركِ المارونيِّ، فَلا هَذا مَكَّنَ وَلا ذاكَ إستَمكَنَ، لَكِنَّهُ ما إستَكانَ إلَّا وأودَعَهُ مُقَدِّمَةَ الدُستورِ.

"وَطَنٌ نِهائيٌّ لِجَميعِ بَنيهِ"! ما سِرُّهُ؟.

هوَ تَحَرُّرُ نُضوجٍ مُتعِبٍ وَصَعبٍ بإرادَةِ بَنيهِ، في تَعَقلُنٍ خَلوقٍ وَخَلَّاقٍ.

وَهوَ لَيسَ مَخلوقاً لِخَليقَةٍ أجنَبِيَّةٍ، يُقَرِّرُ مَصيرَهُ مُستَعبِدو خَلقِهِ.

هَذا ما أقَرَّ بِهِ ايضاً الإمامُ في "لبنانَ الكيانُ والمِعنى": "إنَّ تَكوينَ لبنانَ الحديثَ لَم يُنجَز لأنَّ الفَرَنسيِّينَ أرادوا ذَلِكَ، او لأنَّ المَسيحيِّينَ أرادوا ذَلِكَ وأجبروا المُسلِمينَ عَلَيهِ، أو لأنَّ المُسلِمينَ أجبَروا المَسيحيِّينَ على ذَلِكَ، وَلَكِن لأنَّ المُسلِمينَ والمَسيحيِّينَ أرادوا ذَلِكَ، لِذا أمكَنَ إيجادُ لبنانَ". وَيَستَخلِصُ مُضيفاً: "إنَّ لبنانَ خارِجُ أيَّةِ صيغَةٍ مِنَ الوِحدَةِ الى أبَدِ الأبِدينَ. وَلَو تَكَوَّنَت جُمهورِيَّةٌ عَرَبِيَّةٌ مِن طَنجَةَ الى عَدَن، لبنانُ الدَولَةُ العَربِيَّةُ الثانِيَةُ... فَطَبيعَةُ الإجتِماعِ اللبنانيِّ تَقتَضي ذَلِكَ وَفائِدَةُ العَرَبِ تَقتَضي ذَلِكَ أيضاً. لبنانُ... يَبقى جُمهورِيَّةُ مُستَقِلَّةً ذاتَ سيادَةٍ غَيرَ مُتَّحِدَةٍ مَعَ أحَدٍ".

فَلنَدَعِ الأسطورَةَ والإيديولوجيا تَستَريحانِ في الأنتروبولوجيا!.

هوذا لبنانُ الفِعلُ الغائِيّ، المُتَخَطِّي الذاتَ اللبنانِيَّةَ الى ما هوَ أبعَدُ مِن لبنانَ، غَدا قانونَ إيمانِ المُشاوَرَةِ الخاصَّةِ مَعَ اللهِ... حَيثُ الوَعدُ والعَهدُ يَتكامَلانِ في قيمَةٍ إنسانِيَّةٍ تَرفُضُ القَدَرِيَّةَ.

مَن كُتِبَت لَهُمُ، أيَتَّعِظونَ، لِتَبَنِّي السياسَةَ خُلُقِيَّةً وَلَيسَ إستِفراداً يِمَغانِمَ، وإستِباحَةَ مُحاصَصاتٍ، وَتفَرُّداتَ إستِتباعٍ، فَنَبلُغَ كَيانَ الكَيانِ لِلبنانَ-التَحَدِّيَ؟.

*الرسم المرافق للنص هو للفنان أندريه كالفيان