غريبة كانت الزيارة الصباحية التي قام بها رئيس الحكومة المكلف ​نجيب ميقاتي​ الى بكركي ولقائه ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​. الغرابة لا تكمن في اللقاء بحد ذاته، اذ من الطبيعي ان يلتقي سياسيون بمسؤولين روحيين في لبنان، ولكنها تأتي في وقت دقيق على صعيد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، والوقت الحرج الباقي الذي يفصلنا عن امكان ابصار حكومة جديدة، او متجددة، النور. وبدا ان ميقاتي حمل سريره وسار به من بعبدا -حيث كان وعد بالنوم فيها الى حين تشكيل الحكومة- الى بكركي مستبدلاً الاقامة الدائمة بلقاء رأى فيه الكثيرون انه بمثابة "اعتراف"، على الرغم من ان ميقاتي من الطائفة المسلمة ولا يمارس شعائر الطائفة ​المسيحية​ بطبيعة الحال ومنها "سر الاعتراف". ولكن يبدو ان هناك شعائر مشتركة في السياسة، اذ نقلت مصادر مطّلعة ان رئيس الحكومة المكلف اراد ضم البطريرك الى لائحة مؤيديه، بعد ان استشعر انه سيفتقد الى الغطاء المسيحي في حال استمرت التعقيدات على الخط الحكومي.

ووفق ما هو معروف، فإن الفترة الزمنية التي تفصلنا عن انتهاء الولاية الرئاسية باتت قليلة جداً، واذا ما فاتت فرصة تشكيل الحكومة اكثر من اسبوعين على حد اقصى، يكون التشكيل في خبر كان لان مجلس النواب يتحول في الايام العشرة الاخيرة قبل 31 تشرين الاول الحالي الى هيئة انتخابية حكماً، وعليه يجب ان تمثل ​الحكومة الجديدة​ امامه قبل هذا التاريخ لنيل الثقة. هذه النافذة الزمنية القصيرة اصبحت تضيق شيئاً فشيئاً، وكان لا بد لميقاتي من التحرك على الخط المسيحي لتدارك الوضع، فألقى همومه عند البطريرك ليضمن حصوله على غطاء مسيحي هو في امسّ الحاجة اليه، مقدماً في المقابل تطمينات الى بكركي بأن العلاقة بينهما لن تشهد توتراً. وفي الواقع، لم يتأخر في اظهار هذا الامر بشكل علني، فأعلن بعد اللقاء فوراً انه حريص على اجراء ​الانتخابات الرئاسية​ التي يجب ان تُجرى في موعدها، ولكن ما قاله من جهة ثانية، اثار شكوك البعض خصوصاً وانه قال ان البطريرك سأل عن اتفاق ترسيم الحدود.هذه النقطة تحديداً لم يستقبلها متابعون للاحداث بشكل جيد، لانهم رأوا فيها بداية التحضيرلسيطرة ميقاتي على مقاليد الحكم بعد انتهاء الولاية اكان على رأس حكومة كاملة الصلاحيات ام حكومة تصريف اعمال. فلماذا يسأل البطريرك الماروني رئيس الحكومة المكلف ولا يطّلع من رئيس الجمهورية الماروني العماد ​ميشال عون​ والذي تولى ادارة المفاوضات، على تفاصيل المراحل التي وصل اليها موضوع ​الترسيم​؟ فلا قطيعة سياسية او شخصية بين بكركي وبعبدا، وقنوات الاتصال والتواصل مفتوحة بين الجانبين، فلماذا اثارة هذا الموضوع مع ميقاتي تحديداً؟ وهل في الامر تهميش وتهشيم لدور عون حتى قبل انتهاء الولاية؟!.

وفق المفهوم الديني للاعتراف عند المسيحيين، فإن المُعترف يخرج من كرسي الاعتراف بنفحة متجددة، ويسعى الى ان يكون مختلفاً عن السابق بتصرفاته ومقاربته للعلاقة مع الله، اي انه يكون قد تغيّر، الا ان ميقاتي لم يحمل بعد اللقاء اي ملامح للتغيير، علماً انه وفق ما تيسّر من معلومات، فإنه لم يحظَ بتأييد واضح وصريح من البطريرك في حال لم يتمّ انتخاب رئيس جديد ولم تبصر الحكومة الجديدة النور، وعليه فإن تحرك رئيس الحكومة المكلف لا يعدو كونه محاولة نسج شبكة امان مسيحية ضرورية للمرحلة المقبلة، التي سيكون ميقاتي فيها من دون شك، النجم الاول مهما كانت نتائج الاستحقاقات الدستورية والسياسية والاقتصادية المنتظرة. ويبقى السؤال حول قدرة ميقاتي في تخطي العقبات ونجاحه في استقطاب التأييد من مختلف ​الطوائف​ وبالاخص المسيحية، خصوصاً اذا ما اخذ الفراغ فعلاً وليس قولاً، فراشه للنوم في بعبدا الى حين انتخاب رئيس جديد...