لم يتبقَّ سوى أسبوعَين على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، لكنّهما أسبوعان "مصيريّان" وفق ما يقول كثيرون، بل "حاسمان" على أكثر من صعيد، وقد أسّس لهما "العهد" في الأسبوع الماضي، بحديث عن "انتصارات" جاءت لتعوّض "الإخفاقات" التي يحلو للبعض وضعها في سِجلّ الرئيس الفاقد للصلاحيات، وأعطت مناصريه، خصوصًا في "التيار الوطني الحر"، عزمًا واندفاعًا أكبر، خلافًا لما كان الواقع عليه قبل أسابيع، أو حتى أيام.

لعلّ أهمّ هذه "الانتصارات" تمثّل في اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذي كرّسه "العهد" لنفسه، بعدما حاول كثيرون "ترحيله" إلى ما بعد مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، ولو كان ذلك على حساب الحقوق والمصلحة اللبنانية، وحاول البعض الآخر وضعه في سياق "تطبيعي" مع العدو، فيما ذهب قسم ثالث لـ"تسخيفه" بحجج لم تبدُ منطقيّة، على غرار القول إنّ الغاز موجود أصلاً في البحر، وليس الرئيس من وضعه.

وخلافًا لما اعتقده كثيرون، جاءت جلسة 13 تشرين المخصصة لانتخاب رئيس جمهورية، لتراكم "المكاسب" لـ"العهد"، بدل أن تشكّل "نقطة قوة" لخصوم "التيار الوطني الحر"، حيث استطاع الأخير تسجيل أكثر من هدف في "مرمى" قوى المعارضة، التي بدا واضحًا أنّها لم تتعامل مع الجلسة بجدّية، بعدما أخفقت مكوّناتها في الاتفاق فيما بينها، فجاء النواب بـ"شعارات" ليضعوها في الصندوق، بدل "الأسماء"، كما صرّحوا بأنفسهم.

هكذا، ورغم كلّ الجدل الذي تثيره كل الاستحقاقات والمحطات، يوحي المحسوبون على الرئيس أنّ الأخير ينهي "عهده" منتصرًا، وهو ما تجلى أصلاً في خطاب رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، فيما يبدو أنّ الاستعدادات قد بدأت لمواكب شعبيّة ترافق الرئيس في "رحلته" من بعبدا إلى الرابية، فهل يمكن القول إنّ "التيار" مرتاح فعلاً لمسار الأمور؟ وكيف يقرأ التطورات الأخيرة وانعكاساتها على الاستحقاقات الداهمة؟.

بالنسبة إلى المحسوبين على "التيار"، فإنّ تطورات الأيام الأخيرة أكّدت بما لا يدع مجالاً للشكّ "انتصار العهد"، رغم كلّ الحملات التي طالته ولا تزال، وكلّ الحصار الذي تعرّض له، بل كلّ المؤامرات التي حيكت له داخل الغرف المظلمة، وما اتفاق الترسيم الذي ينتظره لبنان منذ سنوات، وبدا بالنسبة إلى كثيرين "حلمًا مستحيلاً"، سوى الدليل الساطع على ذلك، خصوصًا بعدما قاد الرئيس عون المفاوضات بكلّ حزم وصلابة.

يقول هؤلاء إنّ تعليقات البعض "السلبية" حول الاتفاق كافية للدلالة على أهمية ما حقّقه "العهد" في هذا السياق، ويشيرون بشكل خاص إلى تصريحات رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي تارةً يقلّل من شأن الاتفاق باعتباره "أفضل الممكن"، وتارة أخرى يعترف بأهميته، لكنه يحاول سحب "الإنجاز" من أصحابه، عبر القول إنّ الغاز موجود من قبل، علمًا أنّه كان قبل ساعات من إعلان الاتفاق، يعلن جهارًا أنّه لن يبصر النور قريبًا.

ويشدّد المحسوبون على "التيار"، على الدور "الجوهري" الذي لعبه "العهد" في سبيل الوصول إلى الاتفاق، سواء عبر رئيس الجمهورية ميشال عون الذي قاد المفاوضات، أو عبر نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي يعرف الجميع كيف وظّف علاقاته الدولية في سبيل تحقيق الإنجاز، أو عبر الوزير السابق جبران باسيل الذي فرض "المعادلات" التي "سخر" البعض منها في المقام الأول، لكنّها أضحت "واقعًا" في نهاية المطاف.

وعلى غرار الترسيم، يضع "التيار الوطني الحر" جلسة 13 تشرين الانتخابية التي لم تعقد في إطار "المكاسب الحصرية له"، خلافًا لما أريد منها، لجهة "إحراج" تكتل نصب نفسه "ممرًا إلزاميًا وناخبًا أول" في الرئاسة، عبر عقد جلسةٍ لا يشارك فيها ولا يباركها، لكنّ العكس هو ما حصل، فضرب "التيار"، وفق أوساطه، أكثر من عصفور بحجر، موجّهًا رسائل واضحة للحلفاء والخصوم، قد يكون مطلوبًا منهم أن يتلقّفوها.

وإذا كان "العونيّون" يقدّرون للحليف، "حزب الله"، موقفه "التضامني" الذي لم يكن "التيار" قد طلبه أصلاً، فإنّهم يعتبرون أنّ هذا الموقف يُبنى عليه، خصوصًا أنّه ثبّت قاعدة أنّ التفاهم والتوافق "شرط" لإنجاز الاستحقاق، وهو ما لا يزال الفريق الآخر مصرًّا على التنكر له، متستّرًا خلف "شعبوية" لن تفيده في شيء، خصوصًا بإصراره على الذهاب بمرشح تحدّ لا تتوافق عليه قوى المعارضة نفسها.

ويقول "العونيون" في هذا الإطار، إنّ رسالة "النصاب" قد تكون "جوهرية" في هذا الإطار، فحتى لو نجحت قوى المعارضة في الاتحاد خلف مرشّح واحد، بعنوان "المواجهة والتحدي"، وهو أمر شبه مستحيل بالنظر إلى الخلافات "العمودية" بين بعض قواها، فإنّ "التيار" قادر على تكرار "نموذج" تطيير النصاب، وإن كان يدرك أنّ العكس صحيح أيضًا، ما يعني أنّ المطلوب تقديم بعض التنازلات، وفتح حوار حقيقي بين مختلف الفرقاء.

أكثر من ذلك، هم يعتبرون أنّ جلسة 13 تشرين من دون أن تُعقَد شكّلت "سقطة أخرى" لقوى المعارضة، التي "جاهرت" بانقسامها قبل أن تتأكّد من تأمين النصاب، فالأحزاب الكبرى بقيت على تسميتها "الشكلية" لميشال معوض، فيما لجأ المستقلون إلى "شعارات" أرادوا وضعها في الصندوق، وهو ما قد يُحسَب عليها وليس في صالحها، باعتبار أنّ التعاطي مع استحقاق بحجم الرئاسة يجب أن ينطلق من مقاربة مغايرة تمامًا.

بالنسبة إلى "العونيّين"، فإنّ "العين" الآن هي على الحكومة، التي يصرّون على تشكيلها قبل31 تشرين الأول، لكنّهم يرفضون تقديم أي "تنازل" في سبيل ذلك، معتبرين أنّ الطرف الآخر هو الذي يفترض أن "يتواضع" منعًا لوقوع البلاد في "المحظور". لكن، أيًا كان "مصير" الحكومة، فإنّ الأكيد بالنسبة إليهم، أنّ نهاية "العهد" أكثر من "مشرّفة"، خلافًا لكلّ الأمنيات، وهو ما سيتجلى في مشهد "مهيب" مُعَدّ لمواكبة الرئيس عندما يغادر "القصر"!.