بات الحسم في ملف تأليف الحكومة يُقاس بالساعات، والوسطاء يسابقونها، فالمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم شغّال على أكثر من خط، وكذلك وساطة "​حزب الله​" مع رئيس التيار الوطني الحر النائب ​جبران باسيل​. وسط حديث متزايد عن اقتراب الحسم النهائي لملف التأليف.

وعلى ما يكشف أحد الوسطاء لـ"الجمهورية" بأنّ "لقاءات متتالية تجري واتصالات وجولات مكوكية بين مقر رئاسي وآخر، وحتى الآن ما يزال هذا الملف يتأرجح بين السلبية والايجابية، ولكن منسوب الايجابية اكبر هذه المرة، ولذلك تجري حاليا محاولة للبناء على هذه الايجابية وتثميرها، لا نقول انها محاولة اخيرة لأننا بالفعل اصبحنا في الاواخر، فالوقت داهم الجميع ونهاية ولاية رئيس الجمهورية باتت على مسافة ايام قليلة، بل محاولة وجهود جدية لبلورة صيغة حكومية جديدة نأمل ان تصدر مراسيمها في القريب العاجل".

ولا يستبعد الوسيط المذكور "حدوث مفاجأة اللحظة الأخيرة". وقال: "هذا ما نعمل على تحقيقه، ضمن فترة لا تتجاوز نهاية الاسبوع الجاري". ذلك أن جميع الأطراف، وخلافا لكلّ المواقف السلبية المعلنة، متوجّسون من نهاية العهد من دون تشكيل حكومة كاملة المواصفات والصلاحيات، ودخول البلد بعده في حال من انعدام التوازن السياسي والقانوني والدستوري، وشلل كامل في ادارة الدولة، وسجالات حول الصلاحيات وربما حراكات تتجاوز البعد السياسي الى البعد الطائفي، تعمّق الشرخ الداخلي وتشرع الأزمة الداخلية على شتّى الاحتمالات".

مخاوف أوروبية ونصيحة

الى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"الجمهورية" ان لقاءات ومداولات جرت في الآونة الاخيرة بوتيرة مكثفة بين بعض السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية في بيروت، حول الوضع في لبنان، وما رشح منها، نقل الى بعض المستويات الرسمية في الدولة، ويؤشر الى تقييم سلبي ومخاوف من تدرّج الوضع الى حال من عدم الاستقرار.

وبحسب المصادر فإن المداولات الديبلوماسية، قرأت بإيجابية بالغة انجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والتقَت على اعتباره يتمتّع بجدوى كبيرة على الطرفين، وعاملاً اكيداً لتعزيز الاستقرار في المنطقة، الا ان مقاربتها للداخل اللبناني شابَها حَذر وقلق من المسار السلبي القائم، اكان بالنسبة الى تعطيل تشكيل الحكومة، او بالنسبة الى العقبات التي تعطل الاستحقاق الرئاسي وتمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية».

وفي التقييم الديبلوماسي كما تقول المصادر، انّ استقرار لبنان مهدد، وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس، يشكلان عامل استقرار اكيدا، ومعزّزا له، وفرصة للانتقال بالشعب اللبناني من واقعه الصعب، الى واقع افضل.

ويضيف التقييم، والكلام للمصادر عينها: اللبنانيون يتوقون الى الانفراج، وبالتالي فإنّ مسؤولية القادة السياسيين تكمن بالدرجة الاولى في التوافق عاجلاً على تشكيل حكومة، تقود مهمة التعافي، وتسرّع بما يتطلبه اخراج لبنان من ازمته الاقتصادية والمالية الصعبة، من اصلاحات عاجلة وشاملة، وتفتح باب التعاون مع المجتمع الدولي، والمؤسسات المالية الدولية. وثمة فرصة مؤاتية لانتعاش الوضع في لبنان وَفّرها صندوق النقد الدولي باستعداده لعقد برنامج تعاون مع الحكومة اللبنانية، الا ان استثمار هذه الفرصة بيد اللبنانيين، فلبنان في حاجة ماسة الى برنامج التعاون مع صندوق النقد، وتأخير تشكيل الحكومة، قد لا يؤخّر فقط برنامج التعاون المنتظر، بل قد يعطّله ويرحّله الى مَديات بعيدة، خصوصا انّ لدى صندوق النقد الدولي كمّاً هائلاً من طلبات المساعدة والتعاون معه من دول متعثرة مثل لبنان.

أما في الشقّ الرئاسي، تضيف المصادر الديبلوماسية، فإن مقاربة السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسيّة لانتخابات رئاسة الجمهورية اتّسَمت بالسلبية، تبعاً للمواقف المتباعدة بين السياسيين. وخَلصت الى كلام مباشر تمّ ابلاغه الى المستويات المسؤولة في لبنان، مفاده انّ هذا البلد مرّ بمراحل سابقة من دون انتخاب رئيس للجمهورية، دخل فيها اللبنانيون في تجارب ومعاناة كبيرة، وتكرار هذه التجربة في الظرف الذي يعانيه لبنان حالياً يثير المخاوف من أن يؤدي ذلك الى اتساع المأزق اللبناني الى معاناة اكبر واصعب ومخاطر تفوق قدرة اللبنانيين على تحمل تداعياتها واثارها السلبية. ومن هنا، لا نرى سبيلا امام اللبنانيين سوى انتهاج حوار مسؤول يفضي الى توافق فيما بينهم على انتخاب رئيس جديد للبلاد، يجنّب لبنان فراغا في رئاسة الجمهورية، وفراغا على المستوى الحكومي. وبكلام اكثر صراحة يجنّب لبنان الانهيار والضياع. وهو ما حذرت منه بكل وضوح وزيرة الخارجية الفرنسية قبل ايام في بيروت.

وكشفت المصادر الديبلوماسية، ربطا بمداولات السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية، عن توجّه لتزخيم حركة الموفدين الغربيين، والاوروبيين منهم على وجه الخصوص، وبمستويات رفيعة، في اتجاه بيروت في الآتي من الايام ربطاً بالاستحقاق الرئاسي، والفرنسيون اكثر المهتمين بهذا الاستحقاق. والغاية الاساس هي مساعدة اللبنانيين على كسر التعقيدات القائمة، وصياغة تفاهم فيما بينهم يفضي في نهاية الامر الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يشكل انتخابه فاتحة لمسار إخراج لبنان من أزمته، وهذا ما يتوخاه اللبنانيون.

افتراق.. ولا اتفاق

وسألت "الجمهورية" مصدرا مسؤولا عن المداولات الديبلوماسية، فقال: "في الماضي حذّرونا من التايتانيك وتجاهلنا تحذيراتهم فغرقنا معها الى الدرك الاسفل. لم يخطىء من قال ان اصدقاء لبنان حريصون عليه اكثر من اللبنانيين انفسهم، كل الزوار، وآخرهم وزيرة الخارجية الفرنسية".

وأضاف: "لست متشائما على المدى البعيد، فسنصعد بالتأكيد من القعر، وفي امكاننا الآن ان نقرب موعد الصعود، اذا ما قررنا ان نتحلّى بشيء من المسؤولية الوطنية تجاه لبنان واللبنانيين. واذا ما اقتنع البعض بأن منطق التحدي لا يمكن ان ينجب رئيساً. ولكننا في حالتنا السياسية الراهنة، أشبَه بشراذم متفرقة، وغارقة في حال من انعدام التوازن، يتطلب الاستيقاظ منها بعض الوقت. وفي هذه الحالة يستحيل إنضاج الطبخة الرئاسية داخلياً مع مكونات تبتزّ بعضها البعض، وبعضها ألزمَت نفسها بسقوف عالية وحسمت خياراتها بتغليب الافتراق على الاتفاق. لكن التحدي الأكبر الذي سيواجه الجميع بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، هو كيفية مواجهة الفراغ، وكيف يمكن ان يُدار جسم بلا رأس".

وتابع المصدر المسؤول قائلاً: "بلورة هوية الرئيس الجديد للجمهورية، فالاجماع او شبه الاجماع عليه، يمكن تحقيقه بالتأكيد، بالجلوس على الطاولة بإرادة مسبقة وصادقة ببلوغ التوافق، بمعنى ان نجتمع ولا نخرج قبل الاتفاق، وهو امر مُتاح الآن وقبل انتهاء الولاية الرئاسية، فيكون جميع الاطراف شركاء في انضاج الاستحقاق الرئاسي. ولكن أن يصرّ البعض على ان «يركب راسو»، فلن ينال سوى وجع الرأس، ولن تجري السفينة بما تشتهي أهواؤه، وفي النهاية لا مفر من التوافق. علماً ان هناك سبيلين لبلوغ التوافق لا ثالث لهما، الاول داخلي سهل واسرع، عبر حوار عاجل ونقاش مسؤول بين الجميع، يُفضي الى اختيار طوعي وبالتوافق، للرئيس العتيد. واما السبيل الثاني فخارجي، قد تفرض سلوكه إرادة عابرة للحدود، تكتب باللغات الفرنسية، والاميركية، والعربيّة الشقيقة، والاقليمية الصديقة، نهاية لهذه الدوّامة، وتبلور هويّة الرئيس الجديد، وتقود مكونات الصراع الداخلي، وأولهم «راكبو رؤوسهم»، الى انتخابه صاغرين، فهل هذا هو المطلوب؟"

كشفت مصادر معنية بالتأليف لـ "الأخبار": "إننا أمام ساعات حاسمة يتحدّد معها مصير البلد برمته»، وسطَ تقديرات لا تُسقِط من الحساب صعوبة التشكيل، خصوصاً أن المداولات التي حصلت أكدت أن «لا شيء تغيّر منذ شهرين حتى اليوم في التعامل مع الملف». المصادر نفسها قالت إن «الحزب واللواء إبراهيم تقصدا الإعلان عن المشاورات وإبرازها وكشف الاتصالات والاجتماعات لهدفين: الأول، التأكيد على المسعى الجدي الذي استؤنِف، وثانياً لرفع تهمة التعطيل إذا لم يحصل توافق بين باسيل وميقاتي".

وتحدثت المصادر عن إشكالية إضافية تمثلت في إعلان باسيل أنه لن يمنح الحكومة الثقة حتى ولو استُجيب لمطلبه تغيير وزراء فيها، مبرراً ذلك بأن رئيس الحكومة ملزم بحصول التغيير كون يريده، وباغت باسيل الوسطاء بإبلاغهم أن ميقاتي يفاوضه عبر قناة أخرى هي الوزير نصار الذي قال له إن ميقاتي لا يمانع عدم منح التيار الثقة للحكومة الجديدة. وعندما فاتح الوسطاء رئيس الحكومة بالأمر، نفى أن يكون هو من طلب من نصار التوسط، بل قال إن نصار جاءه مكلفاً من قبل باسيل.

وفي آخر تواصل حصل عصراً، قالت المصادر إن الوسطاء شعروا بضيق جراء عمليات إلقاء المسؤولية من كل طرف على الآخر، خصوصاً أنه بعد اللقاء الذي جمع باسيل واللواء إبراهيم ومسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا في مكتب التيار الوطني اتفق على «قبول باسيل بتغيير ثلاثة وزراء مسيحيين هم عبدالله بو حبيب ونجلا الرياشي ووليد نصار، وعدم تسمية سياسيين، لكنه اشترط الكلام مع حزب الطاشناق أيضاً الذي يريد تغيير وزيره في الحكومة جورج بوشكيان لأنه يريد فصل العمل النيابي عن الوزاري ويطرح اسم وزير السياحة السابق أواديس كيدانيان»، فيصبِح عدد الوزراء المسيحيين الذين سيتم استبدالهم 4 بدلاً من 3، وهو ما لم يوافق عليه ميقاتي. فضلاً عن إصرار الأخير على تطيير وزير الطاقة، أو على الأقل نقله إلى وزارة أخرى وهو ما يرفضه باسيل بالمطلق».

وفي السياق، اعتبرت مصادر بارزة «أننا ما زلنا في المربع الأول، على عكس كل التسويق الإيجابي، فحتى الآن لم يحصل توافق على التغيير في الحقائب وعدد الوزراء، وفي حال نجح الوسطاء في تقريب وجهات النظر فسنكون أمام مشكلة الأسماء، وهذه مشكلة أخرى حتى الآن لم تناقش بشكل عميق وقد تأخذ فترة أطول»، فـ«الصعوبات التي تعترض التفاهم على الحكومة تنسحب بدورها على الأسماء، ما يعزز فرضية عدم تأليفها».

لبنان: محاولة جديدة لانتخاب رئيس اليوم ومساعٍ لتشكيل حكومة ترث «الفراغ»

إذا لم تحصل معجزة ما، فستكون جلسة البرلمان اللبنانية المقررة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية «محاولة فاشلة» جديدة لإتمام الانتخابات، عشية دخول البرلمان في حالة «الانعقاد الدائم»، التي ينص عليها الدستور اللبناني في الأيام العشرة الأخيرة لانتهاء ولاية الرئيس ​ميشال عون​، في ظل فشل المساعي الرامية للتوافق على اسم للرئيس، وعدم امتلاك القوى السياسية الفاعلة الأغلبية اللازمة في البرلمان لانتخاب رئيس يحتاج إلى 65 صوتاً، ناهيك بغالبية الثلثين اللازمة لانعقاد الجلسة.

وقالت مصادر مواكبة للاتصالات لـ"الشرق الأوسط" إن الحزب يمارس ضغطاً على رئيس الحكومة المكلف، ​نجيب ميقاتي​، ورئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل لتأليف حكومة قبل نهاية العهد.

وقالت المصادر إن الرئيس عون وباسيل كانا يرغبان في إبقاء الحكومة الحالية مع تغيير كل الوزراء المسيحيين من حصة الرئيس، لكن ميقاتي رفض ذلك، وانتهى الأمر بأن يتم التغيير على قاعدة تغيير ثلاثة وزراء مسيحيين مقابل الوزراء المسلمين الثلاثة الذين ينوي ميقاتي تغييرهم.

وأكدت المصادر أنه إذا لم يحصل ما ليس في الحسبان فستولد الحكومة بين 26 و27 الحالي، على أن يتم التصويت على منحها الثقة في وقت لاحق، سيكون على الأرجح بعد نهاية ولاية الرئيس عون «الذي لن يرأس اجتماع الحكومة الأول»، خلافاً لما جرت عليه العادة.

وقالت مصادر قريبة من باسيل لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس عون «لن يقبل بأقل من تغيير ثلاثة وزراء»، كما لن يقبل بتغيير وزير الطاقة الحالي وليد فياض، الذي لا تربطه علاقة جيدة بميقاتي. يُذكر أنه يتردد أن الوزراء المطلوب تغييرهم هم: وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، ووزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا الرياشي، ووزير السياحة وليد نصار.

ووضعت المصادر الكرة في ملعب ميقاتي: «فهل سيقبل بأن ينتهي عهد عون من دون حكومة؟ وهل هو مقتنع بأن التيار سيتركه يحكم بحكومة مستقيلة تأخذ صلاحيات الرئيس؟»، لتخلص إلى أن الأمر واضح لدى «التيار»، وهو: «ميقاتي لن يتمكن من فعل ذلك، والوزراء المسيحيون في الحكومة المستقيلة لا يمكن أن يبقوا فيها إذا تم ذلك، مع كل ما يعنيه هذا من غياب الميثاقية (الطائفية) عن حكومته».