لم يعتد حزب الله القاء ثقله في قضية ما ليخرج منها خالي الوفاض، ولكنه تلقى صفعة قوية في هذا الشأن حين اعلن سابقاً عن نيته الدخول في معركة قويّة مع الفساد والهدر تبيّن لاحقاً انه خسرها، وها هو اليوم يخسر معركة اخرى هي قضيّة تشكيل الحكومة، بعد ان دخل بقوة على الخط لتشكيلها قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتولى خطوط الاتصال والتواصل والوساطة بين رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي (وخلفه رئيس مجلس النواب نبيه بري) ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل (وخلفه رئيس الجمهورية)، ما يعني ان المعركة كانت لا تزال تدور بين بري وعون، وهو امر لن ينتهي حتى بعد مغادرة الأخير قصر بعبدا.

حزب الله محرج، فهو يرغب في انهاء ايّ مشكلة مستقبلية بعد حلول الفراغ الرئاسي، فيما لم يعد الوقت يسمح في المزيد من الهدر، لان الفترة الباقية من عمر الولاية لا تتخطى الستّة ايام، والمنطق يقول بأنها لن تكون كافية لتشكيل الحكومة واصدار المراسيم وانعقاد الجلسة الاولى وتحضير البيان الوزاري والموافقة عليه والمثول امام مجلس النواب لنيل الثقة.

ما لن يقوله الحزب هو انّ اللوم الاول يقع على كل من المعنيين الاربعة المذكورين آنفاً، لانّ كلاً منهم تمسك بمطالبه، ومما لا شك فيه ان الحذر من باسيل كان سيد الموقف، فلا بري ولا ميقاتي يرغب في ان يكون لرئيس التيار الوطني الحر اليد الطولى في الحكومة الجديدة، وهما لم يصدّقا كيف انتهت ولاية عون الذي شكّل غطاء مهماً لباسيل على مدى ست سنوات، ليستفردا به ويمنعاه من الاستحصال على نفوذ اضافي، خصوصاً وانّهما حقّقا الاهم بالنسبة اليهما لجهّة ان حظوظه في الوصول الى قصر بعبدا باتت اشبه بالمستحيلة.

عتب الحزب كبير على الاربعة، ولكنه يعلم انّ الحلقة الاضعف بينهم بالنسبة اليه هو ميقاتي، الذي يسهل استبداله فيما لا يمكن المساس ببرّي او عون او باسيل لاعتبارات عدّة اولها طائفية ومذهبيّة، ورؤيويّة سياسية ثانياً، وهذا بالتحديد ما يجعل مهمّته بالغة الصعوبة، لانّه لا يمكنه التخلي عن اي من اللاعبين الثلاثة، او تفضيل احد على آخر، فالثمن سيكون باهظاً.

ويدرك الحزب ان مهمّته في عهد الفراغ ستكون متعبة ومنهكة له، لانه سيكون المكلف بشكل غير رسمي في تدوير الزوايا وربط النزاع، وسيكون عليه التوفيق بين الاطراف المتنازعة، وهو ما حاول ان يتجنبه من خلال الضغط لتشكيل حكومة فيخفف عنه الاثقال والمشاكل. لذلك، ينتظر الكثيرون ان يكون دور الحزب على الساحة المحلّية اعتباراً من يوم الثلاثاء وحتى الاتفاق على رئيس جديد، لولبياً ومحورياً، بشكل مباشر وغير مباشر، وان يعمل على تدبير الامور بما تيسّر، مع كل ما يعنيه ذلك من تحمّله لمسؤولية لا يريدها ولكنه ملزم بها بحكم ارتباطه بأطراف النزاع. هكذا، ستكون الانظار موجهة الى اليه، وسيتم تحميله مسؤولية ما سيحصل، وهو امر منطقي لانه ارتضى ان يكون اللاعب الاقوى على الساحة، ولذلك عليه ان يقوم بالدور المرتبط بهذه القوّة، وبصورة كاملة، علماً ان الفائدة ستعود عليه بالدرجة الاولى كي يبقى الاقوى، لان هذا الامر يترافق مع فوائد كبيرة على الساحتين المحلية والاقليمية، وقد اثبتت الاحداث والتطورات الاخيرة ان هذه هي النظرية الفعليّة للحزب، من قبل الداخل والخارج على حد سواء.

ولكن الترقّب الابرز يبقى في المخرج المتوقّع والذي سيلعب الحزب فيه دوراً محورياً اياً يكن، غير ان الاهم سيبقى في معيار نجاحه او فشله في تحمل مثل هذه المسؤولية الكبيرة.