ما نشرته القاضية ​غادة عون​ وثم حذفته وسألت فيه عما اذا كان صحيحاً ما يتم تداوله بأرقام كبيرة لثروات مسؤولين لبنانيين (وردت اسماؤهم) موجودة في حسابات في مصارف في سويسرا، نجح في اضافة سبب جديد لانقسام اللبنانيين، وعرّض القاضية عون لرفع دعوى بحقها، من دون ان يؤدي عملياً الى اي نتيجة. وبغض النظر عما اذا كانت المعلومات المنشورة صحيحة ام لا، يبقى ان تأكيدها صعب جداً نظراً الى الجدية التي تتعامل بها سويسرا مع مسألة "سرية الحسابات" والتي وقفت في وجه الولايات المتحدة من اجلها، وبالتالي يبقى السؤال عن السبب الذي يدفع البعض الى تصديق مثل هذه الانباء.

الوقع يشير الى انه، وفق الخبرة في التعاطي مع المسؤولين اللبنانيين، فإن تصديق اي معلومة او خبر يتعلق بالفساد والهدر وغيره، بات سهلا حتى ولو لم يكن مدعوماً بالادلة، ويصل مباشرة الى عقول اللبنانيين من دون اي رادع، قبل ان يصل الى "لب" البعض الذي يحن الى طائفيته وانتمائه الحزبي وغيره فدافع ايضاً، ومن دون اي ادلة، على براءة من طالتهم الاخبار والمعلومات. هذا في الواقع العملي، اما في الواقع السياسي، فالامور تأخذ منحى آخر، لانه اذا كان صحيحاً ان هذه المعلومات لم ولن تنجح في تغيير اي شيء على الصعيد السياسي، كما انها لن تؤدي في اي حال من الاحوال الى تقليص نفوذ من وردت اسماؤهم في حال صحت هذه المعلومات غير المؤكدة، فإن ما حصل هو عيّنة على ما ينتظرنا خلال الفترة المقبلة، حيث سيتم استعمال كل الاسلحة السياسية والاعلامية المتاحة. فكل شخصية عامة سيتم رشقها بالاخبار والمعلومات، بغض النظر عن مدى دقتها من عدم صحّتها، وستضطر للدفاع عن نفسها، وهذا بالمفهوم اللبناني المتبع، هو وسيلة من وسائل الضغط، ومن الطبيعي ان يتعاطى البعض مع كل من ورد اسمه على انه "مظلوم" وان توجه اصابع الاتهام الى كل من لم يرد اسمه في اللائحة، بالوقوف وراء هذه التسريبات.

هذه الحرب السياسية العبثية لا طائل منها سوى تقديم وسيلة جديدة لالهاء الناس لفترة من الوقت، لانه بات معلوماً انه حتى ولو تم تأكيد هذه الارقام وضلوع هذه الشخصيات او غيرها بهذه المبالغ الضخمة، فلن يتم اتخاذ اي تدبير عملي ملموس، وابرز مثال على ذلك، التدقيق الحسابي المالي الذي سلك طريقه القانونية من دون ان يصدر عنه ولو محاولة توضيح لمصير الاموال التي غادرت لبنان وجيوب اللبنانيين الى اماكن مجهولة، ومن المفترض ان تبدأ الامور بمصرف لبنان ثم تنتقل الى الادرات والمؤسسات الرسمية الاخرى، فمن هو الذي يسمع حالياً اي خبر عن هذا الامر؟ كما ان شروط صندوق النقد الدولي للتوصل الى اتفاق معه كانت في سلّم الاولويات فأين هي اليوم ومن هو الذي يستعجل تنفيذ البنود للوصول الى الاتفاق بعد ان اجمع المسؤولون على انه لم يعد هناك من وقت لاضاعته؟ واين الشركات التي وعدت بالتنقيب عن الغاز والنفط فور الاعلان عن الموافقة على ترسيم الحدود البحرية؟.

كل هذه الامور باتت ثانوية امام خبر من هنا ومعلومة من هناك، في ظلّ ورقة بيضاء للمسؤولين والزعماء تعفيهم من اي حرج او تدبير حقيقي في حقهم حتى ولو ثبتت الاتهامات التي تلاحقهم، وربما قد يأتي الافراج عن بعض الامور الضرورية مع انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، الذي سيحتاج حتماً الى دفعة معنوية تظلّل وصوله الى قصر بعبدا وتروّج لبدء مرحلة جديدة يعلق فيها الجميع الآمال عليه، قبل ان يسارعوا بعد نحو سنتين او ثلاث بالانقلاب عليه وتصويره على انه سبب المآسي، لانه وفق الرؤساء السابقين بعد الطائف، هذا ما حصل، لتعود الحلقة الفارغة الى الدوران مجدداً.