الثلج يغمر التلة والسنديانات والمحلّة، الريح الباردة تصفر في الوديان وعلى التلال والجبال. الصقيع القارس يسيطر على الأجواء في العلالي والاروقة والكنيسة الصغيرة، وشربل الناسك ساجد على طبق القصب يصلي استعدادًا لقداسه، الذي لا يعرف انه سيكون الاخير قبل ليلة الميلاد... وجسده النحيل يرتعد من البرد.

أبو دقشتو (يا اب الحق)

وابتدأ القداس وشربل يرتجف على المذبح من شدّة البرودة والصقيع، لان جسده الضعيف الذي انهكه الصوم والتقشف والسهر والرماد على بساط خشن في القلاية الصغيرة لم يعد قادرا على التحمل، وما ان وصل الى رفعة الكأس ونشيد "ابو دقشتو" (يا اب الحق) حتى ضرب به الفالج، فأخذ الاب مكاريوس صوما المشمشاني رفيقه في المحبسة القربان والكأس من يده ونقل شربل الى غرفة مجاورة ومدّده على جلد وضع على الارض قرب نار الموقدة الوحيدة في المحبسة.

اجراس الكنائس تقرع في منتصف الليل مبشرة بميلاد يسوع مخلص العالم. وشربل يلفظ انفاسه الاخيرة وتصعد روحه الى السماء ليلة عيد الميلاد. والصومعة تردّد أصداء ابو دقشتو (يا اب الحق).

...وابتدأت الانوار والعجائب

وامتزجت انوار بشارة عيد الميلاد والتجسد والخلاص بالانوار المشعّة من الجسد في كنيسة دير مار مارون-عنايا حيث كان الجثمان وأحد الآباء شاهد النور وركض صارخا "النور النور بونا الريس النور"...

واصبحت ظاهرة النور تظلّل قبر شربل الراهب، يشاهده اهل القرية المجاورة "العويني". وعند فتح القبر كان جسد شربل ينضح دماً وماءً وثيابه تغرق والجسد مازال طريا.

...تفجر ومازال حدث شربل

صمت حبيس المحبسة الغارق بالصلاة والتأمل بسر المسيح صار محجًّا في الكون الّذي شغله وملأه. حياة الراهب الساكن العزلة الوحيدة صارت حدثاً اجتماعيا رسوليا يملأ جوانب الكون.

صار القديس شربل الطبيب والمستشفى والشافي والحاضر في كل بيت وصلاة ودعاء وصراخ كل مريض. واعطى شربل معنى من اللاشيء الى كل شيء فيا شربل ساعدنا يا شربل احمينا...