لم يوفّر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي جهة من هجومه خلال عظته أمس، من القضاء الذي أوقف وليم نون، الى المجلس النيابي الذي لم ينتخب رئيس الجمهورية بعد وصولاً للقوى السياسية التي تمعن في سياسة التحدّي، ضاربة بعرض الحائط كل المصالح العامة للمواطنين، فالراعي حمّل الجميع المسؤوليات، متطرقاً الى الشغور "المقصود" في المؤسسات الماليّة والعسكريّة، محذّراً من مخطط قيد التحضير لخلق فراغ بالمناصب المارونيّة والمسيحيّة.

عندما يتحدّث الراعي عن فراغ بالمناصب المارونيّة والمسيحيّة فهو يوجّه رسالته الى القوى المسيحيّة المتصارعة على هويّة رئيس الجمهورية المقبل، فهو يُريد القول أن الصراع المسيحي-المسيحي يعود بالضرر على المسيحيين أولاً، وإن كان ثمّة مخطّط لإفراغ المناصب المسيحيّة من ساكنيها، فلا يجب عليهم أن يكونوا مشاركين بهه بل عليهم التحالف والتقارب بهدف ضربه.

لن يكون الفراغ الذي يقصده الراعي قريباً، لكن هل يكون مقصوداً كما يقول؟.

بحسب مصادر نيابيّة فإنّ الراعي يقصد تحديداً انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وولاية قائد الجيش جوزاف عون، فبالنسبة الى الأول تنتهي ولايته في حزيران المقبل، وقد بدأ بالفعل الحديث عن تمديد له لكي لا يقع الشغور في الموقع المالي الأعلى بالجمهورية اللبنانية، لأنّه سيكون هناك إستحالة في تعيين حاكم لمصرف لبنان في ظلّ غياب رئيس للجمهورية وحكومة جديدة، وبالتالي يتخوّف الراعي من أن يطول الفراغ الرئاسي، او أن يُنتخب الرئيس على أبواب الربيع المقبل، لكن قد لا تُشكّل حكومة قبل انتهاء ولاية سلامة.

تكشف المصادر أن الراعي بهذا الخطاب، فتح الباب أمام الحديث الجدّي للتمديد لحاكم المصرف المركزي، علماً أن المشاورات بهذا الخصوص بدأت قبل فترة همساً في أروقة القوى السياسية، حيث يتم البحث عن طريقة للتمديد له قد تكون عبر تعديل قانون النقد والتسليف، لمرّة واحدة فقط لأسباب قاهرة وطارئة، لتصبح ولاية الحاكم 9 سنوات لا 6 سنوات، وبالتالي تمديد ولايته حتى العام 2026.

هنا تؤكّد المصادر أنّ حديث الراعي عن مؤامرة ومخطّط لإفراغ المواقع المسيحيّة غير منطقي، خاصة بمسألة حاكم المركزي، حيث أن أحداً لا يرغب الفراغ فيها ولا يتمنّى حصوله، وبحال وصل فإن أحداً لا يتمنى هذا المركز، لا الشيعة الذين يتمثّلون بالنائب الأول للحاكم، والذين أبلغوا من يعنيهم الأمر بأنهم لن يتحمّلوا مسؤوليّة المصرف بحال الشغور، وكذلك فعل الدروز أيضاً.

أما الشغور الثاني الذي يقصده الراعي، فهو في قيادة الجيش حيث تنتهي ولاية عون في كانون الثاني 2024، أيّ بعد عام من اليوم، وهنا ينبغي الإشارة الى أنّ أبرز من يتمنّى هذا الشغور، بحسب المصادر بشكل غير مباشر، هو الفريق المسيحي الاول أيّ التيار الوطني الحرّ، الذي لا يرغب بتولي قائد الجيش سدّة الرئاسة، ويصعّب الحلول الرئاسية، ولديه أهدافاً خاصة مرسومة لقيادة الجيش بعد عون فمن قصد الراعي بالمخطّطين لإفراغ المناصب المارونيّة، ألا يعلم البطريرك الماروني أنّ أحد أبرز المواقع الأمنيّة الشيعيّة يفرغ أيضاً بعد أقل من شهرين؟!.