على الرغم من أن الجميع يتفق على أن كل ما يحصل من فوضى متعدّدة الأوجه يأتي ضمن الإطار المضبوط، الذي يحول دون الإنفجار الشامل، خصوصاً في ظل الحرص المستمر من قبل العديد من الجهات الدولية على دعم المؤسسات الأمنية والعسكرية، والتي كان آخرها برنامج دعم عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، التي أعلنت عنه الولايات المتحدة بالشراكة مع الأمم المتحدة، إلا أن ذلك لا يحول دون رسم الكثير من علامات الإستفهام حول العديد من التحولات، التي باتت، على ما يبدو، تصب بإتجاه السعي لاستعجال إنتخاب الرئيس المقبل.

طوال الفترة الماضية، كان الحديث عن أن الإنتخاب يتطلب الذهاب إلى الحوار الذي يقود إلى التسوية، لكن اليوم قد تكون الأمور تبدلت بعض الشيء، إنطلاقاً من مجموعة من القواعد التي تحكم تصرفات الأفرقاء، التي تنطلق من معادلة تمهيد الأرضيّة لما هو جديد، على أساس أن الجميع أصبح مُحرجاً، في ظل الأوضاع التي تشهدها البلاد، بالرغم من التسليم بأن الإنتخاب وحده، من دون تسوية، لن يقود إلى أي معالجة جذرية.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن جميع المؤشرات توحي بأن هناك من يسعى إلى إنتخاب رئيس جديد "على الحامي"، أي إنطلاقاً من التدهور القائم على كافة المستويات، لا سيما بعد أن وصل في الأيام الماضية إلى الحدّ الذي يهدد جميع مؤسسات الدولة، في حين أن تداعياته الإقتصادية تمهّد الأرضية، في حال لم تعالج، إلى إنفجار إجتماعي كبير.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الواقع يبرر تكثيف اللقاءات والإتصالات على أكثر من جبهة، وهو ما يمكن وضع اللقاءات التي عقدها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع كل من رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​ ورئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​ في إطاره، من دون تجاهل اللقاءات الأخرى التي تحصل بين أفرقاء آخرين.

في قراءة المصادر نفسها، المساعي المشار إليها في الأعلى لا تنحصر بمسار واحد، على إعتبار أن الضغوط الخارجية، الساعية إلى فرض تسوية، قد يرتفع منسوبها في أي لحظة، بعد أن كانت قد تراجعت، في الفترة الماضية، بسبب عدم إقتناع غالبية الأفرقاء بالسير بترشيح قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​، وتلفت إلى أن إرتفاع وتيرة هذه الضغوط من المفترض أن ينطلق من تصاعد مؤشرات الفوضى على نحو كبير.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المتابعة، نجاح هذا المسار يتطلب أن تصل الأمور إلى الحد الذي يدفع مجموعة من القوى إلى التسليم بهذا الخيار، نظراً إلى أن بقاء عون مرشحاً وحيداً ضمنه يتطلب تعديلاً دستورياً، أو تغاضياً عن هذه المسألة، كما حصل عند إنتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان، لكنها في المقابل تدعو إلى عدم تجاهل المسار الآخر، الذي يقوم على أساس تأمين الأفرقاء الداخليين أكثرية 65 صوتاً لصالح أحد المرشحين.

وتلفت هذه المصادر إلى أن التمهيد لذلك برز، بالنسبة إلى رئيس تيار "المردة"، بدءاً من موقف مستشار رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ السياسي النائب علي حسن خليل، وصولاً إلى كلام فرنجية نفسه من ​بكركي​، بعد لقائه مع البطريرك الراعي، عندما أعلن أنه لا يمانع إنتخابه بهذه الأكثرية، رابطاً توفر الميثاقية بنصاب الجلسة الذي يتطلب حضور 86 نائباً، لكن المشكلة تكمن بإقتناع القوى المسيحية، الرافضة لهذا الطرح، بتغطيته، أي تأمين النصاب، بالإضافة إلى توفر القدرة على تأمين الـ65 صوتاً لصالحه.

في المقابل، ترى المصادر نفسها أنّ الرد على هذا المسار قد يكون من خلال تأمين أكثرية 65 نائباً لمرشح آخر، من قبل القوى المعارضة لإنتخاب فرنجية، لكن المفارقة تكمن بأن هذه القوى غير موحدة حول أي إسم، خصوصاً أنها تأتي من مواقع مختلفة، إلا أن المعادلة قد تتبدل، في المرحلة المقبلة، خصوصاً إذا ما جاءت من ضمن مسارين: الأول هو ضغوط الظروف الداخلية، أما الثاني فهو توفر الإرادة الدولية الواضحة بدعم أحد المرشحين.

في المحصلة، ما ينبغي التأكيد عليه هو أن كل هذه المسارات تؤكد أن الأمور لا تزال مفتوحة على كافة الإحتمالات، لكنها تؤشر إلى أنها باتت، أكثر من الماضي، على نار حامية، لكن الخطر يكمن بأن تكون "المعاندة" هي الطاغية، ما سيقود حكماً إلى تعقيد الأزمة على نحو أكبر.