في 14 شباط من العام 2005، اغتيل رئيس الوزراء رفيق الحريري، وتم بعدها مبايعة ​سعد الحريري​ كخليفة له في السياسة بمباركة مباشرة من ​السعودية​ وفرنسا. وفي العام 2017، احتجزت السعوديّة رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري ثم افرجت عنه بعدما تحولت قضيته الى مسألة دوليّة، ولكن "الغضب" السعودي على الحريري لم ينته عندها، بل يمكن القول انه بدأ منذ ذلك الحين ولم يجد بعد طريق نهايته.

اليوم، عاد الحريري الى بيروت بعد غياب طويل، وبعد اعلانه سابقاً انه "تقاعد" سياسياً، وبالفعل لم يظهر على الساحة السياسية اللبنانية لفترة من الوقت، واكتفى بالقاء التحية وعقد بعض اللقاءات بعيداً عن الاعلام مع رفاق واصدقاء له في الدولة التي قبلت احتضانه وهي الامارات.

لم تشفع ذكرى اغيتال والده في 14 شباط في "تليين" الموقف السعودي تجاهه، وهو يدرك هذا الامر، ولهذا السبب تحديداً، لم يراهن اللاعبون في لبنان على عودته الى الساحة السياسية، على الرغم من التعاطف الشعبي وتحديداً السنّي الكبير الذي حظي به، ان بسبب غيابه عن الساحة او تعاطفاً مع ذكرى اغتيال والده. وكان لافتاً في هذا السياق، ما صدر عن رئيس الجمهوريةالسابق العماد ميشال عون من اتصال اجراه معه ودعوته له بالعودة الى الساحة السياسية، في حين ان الجفاء خرج الى العلن مراراً وحصلت مقاطعة تامة بين الرجلين، وبين الحريري و"​التيار الوطني الحر​" وبالتالي مع النائب جبران باسيل. اللافت في المسألة ان عون لا ينتمي الى الطائفة السنّية، كما ان الخلاف السياسي لم ينته بينهما، ما يعني ان دلالات هذه الدعوة تعكس مدى المأزق الداخلي الذي وصل اليه الوضع، وافساح المجال امام "تناسي" اخطاء ارتكبها الحريري على غرار الجميع، وان الباب بات مفتوحاً امامه اذا ما اراد العودة والتخلي عن "نفيه" السياسي.

ولكن هذه الدعوة، على اهميتها وعلى الرغم من انها تأتي من خارج الطائفة السنّية، تبقى بعيدة عن التحول الى حقيقة، لاسباب كثيرة وفي اولها عدم رضا السعودية عنه، وهي المعروف انها اللاعب الاول في ما خص الملعب السياسي السنّي في لبنان، وليس هناك من احد قادر على تحدي رغبتها في ابعاده، في حين ان البديل لم يتأمن بعد، فلا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قادر على ان يرث الحريري شعبياً، ولا غيره اثبت انه بامكانه ان يملأ الفراغ. صحيح ان منصب رئاسة الحكومة يمكن ان تشغله شخصية سنّية غير مستفزّة للرياض، ولكنه صحيح ايضاً ان السعودية لم تستطع بعد ايجاد البديل عن عنه شعبياً، ويبقى الرهان على مدى قدرتها الترويج لشخصية تختارها وتسويقها على انها القوة السنّية الاكبر في لبنان.

ومن الاسباب ايضاً التشكيك بنوايا الاطراف اللبنانية، فحتى لو تم تخطي عقبة السعودية وخلافها مع الحريري، فليس هناك من ضامن ان التسويات بين الافرقاء والسياسي العائد بعد غياب، ستسود ويكون الوئام هو الذي يفرض نفسه في العلاقة المرتقبة، فكيف يمكن تلبية شروط لم يقبل بها احد سابقاً وادت الى اغراق الحريري سياسياً اكثر فأكثر وصولاً الى خروجه تماماً من الحياة السياسية اللبنانية؟.

من هنا، يبدو ان الشيخ سعد وبعد سنوات على خروجه من الاحتجاز السعودي الجسدي، لا يزال عالقاً في السجن السياسي الذي وضعته المملكة وعززته الاطراف اللبنانية، ولن يشهد السراي الحكومي عودته اليه في وقت قريب، فيما ستبقى الامارات المقر-الملجأ الذي يقضي فيه سعد الحريري ايامه في انتظار الفرج على الخطين: السياسي والمالي، ليكون بذلك مؤشراً على امكان عودته الى طريق التعافي ولعب الادوار السّياسية من جديد.