تسارعت الاحداث والتطورات على الساحة اللبنانية، وخصوصاً في الملف المالي والاقتصادي، وكان لافتاً ما تم تسريبه عمدا ونسب الى الادارة الاميركية، من انه تم التأكد من العلاقة بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحزب الله، وان الخطوة التالية قد تشهد عقوبات بحقّ سلامة، وسرعان ما تم نفي الخبر ليبقى الشك حول صحته هو السائد.

اكتسب الخبر اهميته في وسائل الاعلام وارخى بظلّه على الساحة اللبنانية وتوقع كثيرون ان تصل تداعياته الى اماكن لم تكن في الحسبان، ولكن مصادر ماليّة متابعة اكدت الى حد الجزم، ان وقت حاكم مصرف لبنان لم يحن بعد، وبالتالي فإنّ ما ستشهده المرحلة المقبلة على هذا الصعيد لن يتخطّى السقف، وتشير المصادر الى انها تستبعد كلياً رؤية سلامة يخضع للمحاكمة. وتضيف المصادر عينها ان ما كان صحيحاً في الفترة السابقة سيبقى صحيحاً خلال الفترة المقبلة، لجهة انّ الملفات الاوروبيّة التي وضعت حاكم مصرف لبنان في قفص الاتهام بتهمة الفساد وتهريب الاموال لم تغيّر من الوضع الحالي له، وهذا ما سيكون عليه مصير الاتهامات الاميركية بحقه، في ما لو كانت صحيحة، ولو انها اكتسبت اهمية اكبر بفعل ربطها بالتعاون مع حزب الله الموصوف اميركياً بـ"الارهابي".

ووفق المصادر ايضاً، فإن هذا الامر يعني حتمية طي صفحة سلامة في المرحلة المقبلة التي تنتظر لبنان، وانتهاء عهد امتد لنحو ثلاثة عقود نسج فيه الحاكم خيوطاً كثيرة في الداخل والخارج على حد سواء، وجعل منه محور السياسة المالية في لبنان، فيما كان التعاون في اوجه مع الادارات الاميركية المتعاقبة في ما خص التدابير المالية الصادرة من واشنطن والتي تحدد طريقة التعامل مع المصارف اللبنانية، حيث كان سلامة يطبّق بشكل فوري هذه التدابير ولم يتمّ اتهامه يوماً بأنه مرتبط بـ"الارهاب"، ما يدلّ على ان القطار قد وضع على سكّة تغيير الحاكم في وقت قريب. ولكن المشكلة تكمن في ايجاد البديل، لانّ التغيير يعني اولاً الاتفاق على اسم رئيس جديد للجمهورية، وهو الامر المتعذر حالياً دولياً واقليمياً، اذ لا يمكن تعيين حاكم جديد بمعزل عن الرئيس المقبل. وبانتظار هذا الحلّ الذي لم يعرف بعد موعد نضوجه، سيبقى سلامة في موقعه ولكن مع فارق انه سيدخل قفص الاتهام، وسينضمّ الى قافلة العقوبات الاميركية بحق مسؤولين لبنانيين سبقوه، من دون ان يؤثّر ذلك على نظام حياتهم المهنيّة واليوميّة، انما سيقتصر التأثير على الناحية المعنوية وعلى اعتباره ورقة يتم استخدامها في المناكفات السياسية.

كل هذه الامور تعني وفق المصادر ان قطار سلامة بدأ بالتحرك نحو وجهة نهاية الخدمة، انما من غير المرجّح اكمال ملفات الانتهاكات حتى النهاية، كونه يختزن معلومات خطيرة تطال جميع المسؤولين اللبنانيين على مدى عشرات السنوات، وهذا يشكل بحدّ ذاته بطاقة خروج من أيّ ازمة قضائيّة وقانونيّة قد تعترضه، والا انهار الهيكل السياسي على الجميع. وترى المصادر نفسها انّ اكثر الحلول ترجيحاً هو رحيله الى احدى الدول وغيابه عن الساحات العامة الماليّة والاقتصاديّة، وان يتنعّم بأيّامه بعيداً عن الشأن العام، لان احداً لن يغامر بالاستعانة بخدماته في أيّ شركة او مؤسّسة او مصرف، ما يعني انه سيتدبر امره بنفسه وبالاموال التي يملكها والتي سيتم تجميد بعضها.

هذا ما توقعته المصادر الماليّة البارزة لحاكم مصرف لبنان في الفترة المقبلة، ويبقى الرابط بين وداعه والترحيب بخلفه، مرتبط بانتخاب الرئيس، اياً تكن هويته، لانّ الرهان هو على اعطاء نفحة "اوكسجين" للبنانيين بهذا الانتخاب عبر تغيير اشخاص والايحاء بأن الامور تغيّرت جذرياً، فيما الواقع يشير بأن الامور ستتحسن بشكل بسيط من دون ايّ "نفضة" جدّية مطلوبة، وستدور عجلة الحلقة المغلقة مجدداً لاعطاء الدفع اللازم للانطلاق، انما من دون نتيجة في الافق.