لم يهدأ الخط العراقي الساخن بين ال​ايران​يين والسعوديين. لا يزال رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي ناشطاً على خط الرياض-طهران. يبدو ان الفريقين يحتاجان للتسوية السياسية بين بعضهما: تريد المملكة العربية السعودية استقرارا اقليميا نهائياً، ولا ترغب بحروب تعرقل اندفاعة الرياض المتجهة نحو ريادة المملكة. يُسجّل لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان انه يبني السعودية الحديثة على قواعد متينة، بعدما نجح في مسار نقل بلاده الى مصاف الدول المتقدمة استثمارياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وعلمياً، في خطة ٢٠٣٠.

لذا، يسعى السعوديون الى ترسيخ استقرار اقليمي على قواعد التسوية ونبذ الحروب، من دون التنازل عن عناصر القوّة، بدليل سلوك طريق نووي يحقق امرين: توازن مع القوة الاقليمية ايران، والاستفادة علمياً من هذه الخطوة.

ومن هنا يأتي قرار المملكة بوضع مليار دولار في المصرف اليمني، لتأمين رواتب الموظفين من مدنيين وعسكريين، ومن ضمنهم مناصرو "حركة انصار الله"(الحوثيون). مما يعني سلوك السعودية درب الحل اليمني. فماذا عن ايران؟.

يضغط الوضعان الاقتصادي-الاجتماعي على الايرانيين، ويدفعهم الى انجاز تسويات تتعدى حدود الاقليم. وبما ان الاتفاق النووي مع الغرب مجمّد الخطوات حالياً، نتيجة انحياز طهران عملياً الى جانب الروس في معركتهم الاوكرانيّة ضد الغرب، الذي يتهم الايرانيين بالتدخل في دعم روسيا عسكرياً، فإن الجمهورية الايرانية لديها مصلحة بإنجاز مصالحة مع السعوديين. تريد الرياض من طهران وقف دعمها للحوثيين في اليمن. لكن الايرانيين انكروا قدرتهم على اقناع "انصار الله" بأي تسوية لا يقتنعون بها. تعرف المملكة السعودية ان ايران لا تضغط على "الحوثيين" لإجبارهم على عقد تفاهم يتيح انهاء الحرب اليمنية، لا بل لا تزال طهران تمدّ الحركة المذكورة بالدعم العسكري والمالي. غير ان الهدنة اليمنية الجارية ابدت حسن نية الاطراف الاقليمية ايضاً لعقد تسوية. فهل ينجح الوسطاء العراقيون في انجازها قريباً؟ يبدو مشروع المصالحة يسير في هذا الاتجاه.

لكن لا يمكن ان تضمن تلك التسوية المرتقبة ارتياحاً كاملاً في الاقليم، لأن مخاطر الحرب لا تزال قائمة من قبل الاسرائيليين.

تتحدث المعلومات عن ان تل ابيب باتت عاجزة عن رص صفوف الاسرائيليين داخلياً، نتيجة تمدد اليمين المتطرف، الذي يهدد فكرة الدولة الاسرائيلية، بعد ازدياد مساحات الاعتراض في صفوف الجيش الاسرائيلي من السلوك اليميني المتشدد، بينما يدعم الاميركيون معارضي "اليمين" بكل عناصر الدعم، لأنهم يجدون في تصرف "اليمين" سبيلاً للقضاء على اسرائيل.

تنوي واشنطن اعادة طرح حل الدولتين على طاولة المفاوضات، لكن مشاريع "اليمين" الاسرائيلي يعيد تل ابيب إلى مرحلة عصابات ما قبل ١٩٤٨. في وقت تبدو الضفة الغربية على صفيح ساخن، فإذا تفلّتت من الضبط الموجود حالياً، بإتجاه تنفيذ مقاومة شاملة، فإنّ لا قدرة لأي عاصمة او قوّة على انهاء المقاومة الفلسطينية، مما يهدد اسرائيل، ويطيح بكل الجهود الاميركية.

لذا، فإن واشنطن حريصة على ابقاء "اسرائيل المعهودة"، وفتح باب المفاوضات في اكثر من اتجاه: حل الدولتين، الجولان، ومزارع شبعا جنوب ​لبنان​.

فهل تسبق خطوات الاميركيين تصرفات "اليمين" الاسرائيلي؟ لا يبدو ان الاميركيين قادرون على فعل ذلك لغاية الان. مما يعني حينها ان الاقليم معرضٌ لحرب تكون اسرائيل عنوانها، انطلاقاً من الضفة، الى غزة، من دون استثناء الحدود شمالاً.