أشارت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" إلى أن الولايات المتحدة استغلت المفاوضات مع إيران، حول برنامجها النووي، "كغطاء" لخداع طهران، وتمهيد الطريق أمام الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، بحسب محللين عرب.
وأكد المحللون أن الحرب الإسرائيلية على إيران جاءت نتيجة "خطة مدروسة تسترت خلف أجواء تفاوضية مزيفة" قادتها الولايات المتحدة، التي كانت تجري مفاوضات مع إيران في سلطنة عمان، في وقت تمد فيه تل أبيب بالأسلحة والذخيرة.
ورأى الدكتور حامد محمود رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بمركز العرب للدراسات والأبحاث، ومقره مصر، أن "إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استغلت المفاوضات كجزء من استراتيجية الخداع لإيران، فكانت المطالب الأميركية المبالغ فيها بوقف كامل للبرنامج النووى الإيراني تمثل خطا فاصلا ما بين قبول إيران للمطالب خلال فترة معينة حددها ترامب بشهرين أو اللجوء للخيار الآخر، وإن لم يفصح عنه كجزء من خطة الخداع لايران".
وفي حديث لـ"شينخوا"، اعتبر أن "الإدارة الأمبركية سعت لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة من خلال استغلال التفاوض، لاستكمال إسرائيل استعداداتها، ومن خلال عدم التورط المباشر فى العمليات العسكرية".
بدوره، لفت الخبير اليمني الدكتور إسماعيل السهيلي إلى أن أميركا لم تكن تعول على نجاح مسار المفاوضات مع إيران بدون إكراه حقيقي لدفع طهران إلى تقديم تنازلات لم تكن تحصل دون عمل عسكري، معتبراً أن أميركا استخدمت المفاوضات "كغطاء" لخطة ردع هجومية، عبر أعمال عسكرية بواسطة إسرائيل، وبدعم كبير وغير معلن منها.
من جانبه، أشار ياسر مطلك الجبوري رئيس مؤسسة فواصل للبحوث والدراسات بالعراق إلى أن "الولايات المتحدة سعت لاحتواء البرنامج النووي الإيراني دبلوماسيا، لكنها في الوقت ذاته أبقت على خيار القوة قائما من خلال الدعم العسكري المباشر لإسرائيل، واستخدام المفاوضات كغطاء سياسي لتحييد إيران مؤقتا عن التصعيد، بالتزامن مع تحضيرات ميدانية".
بينما أكد الكاتب الفلسطيني عاهد فروانة أن الولايات المتحدة وإسرائيل نفذتا "حملة خداع منسقة ضد إيران" بالتزامن مع مباحثات نووية كانت تجرى في سلطنة عمان، في وقت كانت فيه واشنطن تمد تل أبيب بالأسلحة والذخيرة استعدادا لهجوم واسع النطاق.
ورأى فروانة، أن التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد إيران جاء نتيجة "خطة مدروسة تسترت خلف أجواء تفاوضية مزيفة"، واستطرد أنه "من الواضح أن إسرائيل والولايات المتحدة خاضتا حملة تمويه وخداع ضد إيران، حيث أوحت واشنطن من خلال اهتمامها بالمحادثات في سلطنة عمان أنها حريصة على التوصل إلى تفاهمات، ويبدو أن الهدف من ذلك كان خلق أجواء توحي بالتهدئة لتمهيد الطريق أمام هجوم مباغت" ضد إيران.
في المقابل، لفت المحلل العماني خلفان الطوقي إلى أن أمبركا ليس لها ذراع أو تدخل في العدوان الإسرائيلي على إيران، قائلاً: "لا أعتقد أن أميركا استغلت المفاوضات النووية لخداع إيران، فكل التصريحات والسياسات تدل على أن أميركا لا تريد الحرب، وتدرك تماما أنها إذا دخلتها ستكون منزلقا يهدد مصالحها، كما أن سياسة ترامب واضحة، فهو لا يريد الحرب، فقط يريد أن يكسب الأموال".
وأوضح السهيلي، أن "فرص استئناف المفاوضات في المدى القريب محدودة وضعيفة، بسبب عوامل عدة منها انهيار ثقة إيران في ترامب بعد الضربات الإسرائيلية، وأيضا وجود مزاج شعبي خاصة في أوساط المحافظين بإيران يضغط باتجاه مزيد من الانتقام من إسرائيل والولايات المتحدة".
ومن بين الأسباب أيضا، وفق السهيلي، إصرار إسرائيل على تدمير البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، بالإضافة إلى أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التي تمثل امتدادا لاجندته في غزة، عبر إطالة أمد الحرب هروبا من الملاحقات القضائية واستمراره في رئاسة الحكومة لأطول فترة ممكنة.
ومع ذلك، رأى السهيلي أن "هناك فرصة لاستئناف المفاوضات في حال تدخل قوى كبرى كضامنة لوقف التصعيد".
واتفق المحلل العراقي ياسر الجبوري مع السهيلي، قائلا إن فرص استئناف المفاوضات النووية "ضعيفة على المدى القصير"، لكون التوتر العسكري بين إسرائيل وإيران يشوش على أي مسار تفاوضي، معتبراً أنه "على المدى المتوسط والطويل، إذا تدخلت قوى دولية فقد تعود مفاوضات غير علنية كمدخل للتهدئة، خاصة إذا تغيرت القيادات السياسية في أحد الطرفين".
بدوره، أوضح الخبير المصري حامد محمود أن "فرص التفاوض لا تزال موجودة لكن ليس فى الأجل المنظور". لكنه أشار إلى أن "دخول أطراف إقليمية، مثل باكستان التى أعلنت دعمها لإيران بشكل مباشر، فضلا عن الدعم من أطراف أخرى بشكل غير مباشر، وخشية دول إقليمية مثل مصر وتركيا والسعودية من التمدد الإسرائيلي، قد يعجل من وضع نهاية للصدام بين إسرائيل وإيران".
من جانبه، رأى فروانة أن التصعيد العسكري الإسرائيلي جرى "بدعم مباشر من الإدارة الأميركية"، ويهدف إلى "إجبار إيران على القبول بالشروط الأميركية".
وأضاف أنه "رغم الحرب التي تحولت إلى تبادل للضربات، إلا أن إمكانية استئناف المفاوضات النووية لا تزال قائمة، لكن لا يتوقع حدوث ذلك في المدى القريب، إذ من المرجح أن تمتد المواجهات لأسابيع مقبلة، وربما أكثر إذا وقعت تطورات جديدة". إلا أن الطوقي أكد أن "الحل سيكون دبلوماسيا، ومن خلال المفاوضات فقط، لأن أي انزلاق ستكون عاقبته كارثية على الجميع، وهذه الحرب ستكون قصيرة وستنتهي قريبا، وهناك الكثير من المؤشرات على ذلك".
وحذر من أنه "إذا ما تدخلت أميركا وامتدت هذه الحرب لأطراف أخرى ستكون كارثة، وستهدد أمن منطقة الخليج العربي، كما ستهدد مصالح أميركا في الخليج، وسيحدث الكثير من الكوارث التي لا يحمد عقباها".
ورأى السهيلي، أنه "إذا لم يقم مجلس الأمن الدولي بإعمال نصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تتعلق بوقف العدوان على دولة عضو في الأمم المتحدة، فإن المواجهات بين إسرائيل وإيران مرشحة للامتداد في المنطقة خاصة في ظل وجود حكومة نتانياهو المتطرفة الذي يعلن صراحة أنه يعمل على تغيير وجه الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى تصاعد دعوات في إيران لإغلاق مضيق هرمز".
إلا أنه أوضح أن "الأهمية الجيوسياسية للمنطقة بالنسبة للاقتصاد والأمن العالمي، وتشابك مصالح الدول الكبرى في المنطقة، تقلل من احتمال أن تمتد الحرب لفترة طويلة، كما أن وضع الجيش الإسرائيلي المرهق من القتال في غزة تجعله في وضع غير مؤهل لتحمل تبعات قتال طويل الأمد بدون تدخل أمريكي مباشر، ويبدو أن هذا التدخل غير متوقع خاصة أن ترامب عادة ما يعزي تردي أوضاع الأميركيين وتراجع مكانة أميركا في العالم إلى الحروب".
من جهته، رأى الجبوري أنه "من غير المرجح أن تبقى الحرب محصورة فقط بين تل أبيب وطهران لعدة أسباب"، هي أن "إيران تمتلك شبكة من الوكلاء الإقليميين (حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية)، وإسرائيل قد ترد على أي تهديدات من هؤلاء الوكلاء ما يؤدي إلى اشتعال جبهات متعددة". ولفت إلى أن "السيناريو الأقرب هو توسع الحرب تدريجيا إلى نزاع إقليمي متعدد الأطراف، مع محاولات بعض الدول لاحتوائه عبر الوساطات".
وأشار إلى أن "مدة الحرب تعتمد على طبيعة وأهداف الطرفين، فإن كانت الضربات المتبادلة محدودة وموجهة، فقد تبقى الحرب قصيرة نسبيا، أما إذا تطور الأمر إلى ضربات استراتيجية داخل العمق الإيراني والإسرائيلي، فسيصعب احتواء التصعيد سريعا، كذلك كلما تدخلت قوى إقليمية لصالح إيران أو إسرائيل ارتفعت فرص التحول إلى حرب استنزاف طويلة قد تدوم شهورا أو أكثر".
بينما أوضح فروانة أن "رغبة إسرائيل والإدارة الأميركية في تفادي حرب طويلة لا تمنع احتمالية انزلاق الصراع إلى مواجهة إقليمية شاملة خاصة بعد أن بدأت إيران بالتعافي من الضربة الأولى وشن هجمات مؤثرة على الداخل الإسرائيلي"، ونوه بأن "استمرار تبادل الضربات قد يدفع بالأمور إلى مزيد من التعقيد والانفجار".
وأشار إلى أنه "إذا شعر كل طرف بأنه حقق إنجازا يرضيه، فإن باب التسوية قد يفتح، وإسرائيل تعتبر أن الضربة المفاجئة التي طالت قادة وعلماء إيرانيين وتسببت بأضرار للمنشآت النووية تعد مكسبا، في المقابل ترى إيران أن ردها كان قويا ومؤثرا وأثبت قدرتها على الرد، وهذا قد يدفع الطرفين للتفكير جديا في احتواء التصعيد".
واعتبر أن "إسرائيل لا تعلن بشكل واضح عن حجم الخسائر التي تعرضت لها والمعطيات تشير إلى أن الرد الإيراني كان له تأثير فعلي، وإذا اقتنع الجانبان بأن استمرار الحرب ليس في مصلحتهما، فقد نشهد تحركا باتجاه تسوية سياسية في وقت لاحق".
وأوضح الجبوري، أن "فرص التسوية السياسية للحرب موجودة لكنها مرهونة بشروط صعبة أهمها أنها تحتاج لتدخل طرف دولي موثوق به من الجانبين، كما يجب أن تكون هناك قنوات خلفية مفتوحة، وهو ما لا تظهر مؤشرات قوية عليه حاليا". ولفت إلى أنه "دون تدخل دولي حاسم، فإن فرص التسوية ستظل هشة ومؤقتة، وقد تؤدي إلى هدنة مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة".
في حين رأى الخبير المصري حامد محمود أن "هناك فرصة للتسوية السياسية بما يحفظ مصالح إيران، لكن هذا يتوقف على إدارة ترامب وما تريد إنجازه فى هذا الأمر، وما تم من عمليات عسكرية سيخفض من سقف المطالب الإيرانية فى أية مفاوضات قادمة مع الولايات المتحدة".