اندفعت المملكة العربية السعودية نحو ترتيب اوراق الاقليم، بموازاة التعملق الانمائي الداخلي الذي تترجمه خطة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.

شكّلت مصالحة المملكة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، مقدمة اساسية لإنهاء خلافات الاقليم واخماد نيران الحروب العسكرية والتباينات السياسية. لكن المملكة تسعى حالياً الى لم شمل العرب، انطلاقاً من اعادة الاعتبار للجمهورية العربية السورية. لذا، جرى طي ازمة الخلاف بين دمشق والرياض، ثم توجه السعوديون الى فرض بند عودة سوريا الى جامعة الدول العربية. ومن هنا يأتي الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة الاحد، للبحث في بندين اساسيين: سوريا والسودان.

تثبت الرياض وقبلها ابوظبي، انهما يتعاطيان مع الملف السوري بواقعية المصلحة العربية، وتجاوز كل الملاحظات الاميركية نتيجة فرض واشنطن "قانون قيصر" بحق دمشق. لذلك ستعود سوريا رسمياً الى الجامعة المذكورة، بعدما عادت علاقاتها مع الدول العربية الاساسية الى طبيعتها.

كان اللبنانيون يعتقدون أنهم بند اساسي على طاولة الدول، وتحديداً العربية، لكن تبيّن ان التسويات الاقليمية لن تقف عند مصالح قواهم السياسية، ولن تقيم اعتباراً لتموضعاتهم وخصوماتهم وحساباتهم الرئاسية. وهذا ما ثبّته الموقف السعودي الذي تعاطى عملياً مع الملف اللبناني من باب: فليتحمل اللبنانيون مسؤولياتهم: لا فيتوات ولا تسهيلات ولا هبات مالية.

لا يبدو ان القوى السياسية اللبنانية ستكون على قدر المسؤولية، لا بشأن انتخابات رئيس الجمهورية، ولا حول ضرورة انهاء اي خلاف سياسي. رفعت قوى وشخصيات لبنانية عناوين الرفض التي تعني عدم القدرة على التراجع امام محازبيها وجماهيرها، وغياب الشجاعة للنزول عن اعلى الشجرة؛ مما يزيد من حجم الازمة اللبنانية حالياً.

وبدل ان يتجه اللبنانيون نحو التدرج بإتجاه الحلول، لمواكبة انفراجات الاقليم، فإنهم يفشلون في معالجة ملفات البلد، حتى وصل بهم الامر الى الغرق في ملعب نادي الغولف، نتيجة خلافات بين بلدية الغبيري الذي يقع الملعب في نطاقها، وادارة النادي، ولم تجد سبيلاً لحلول تسووية تحفظ حق الطرفين.

ستزداد عناوين الازمات نتيجة تحلّل مؤسسات الدولة اللبنانية، حيث اصبحت كل الخلافات وجهات نظر، وفي حال توسّعت مساحات الشغور لتطال مواقع أخرى في الدولة، سيكون لبنان مشاكساً لكل مراحل التطور الاقليمي: يكفي تعداد انجازات الامارات العربية المتحدة التي وصلت الى القمر، او استحضار اندفاعة السعودية نحو الريادة الانمائية والاقتصادية عالمياً، او قراءة ابعاد التطور العلمي والنووي الايراني، وغيرها من امثلة واقعية، كي يكتشف اللبنانيون انهم يعودون سريعاً الى الوراء. فهل تتعظ القوى السياسية قبل فوات الاوان؟ لا يبدو ان مصلحة البلد ستكون عندهم اهم من مصالحهم الشخصية، التي تحول حالياً دون انتخاب رئيس للجمهورية يعيد انتظام الدولة.

لن تبقى تداعيات الأزمات عند حدود ما، خصوصاً في ظل مخاطر ملف النزوح السوري الذي يستوجب اتفاقاً لبنانياً جامعاً، ثم وضع جدول زمني يتيح اعادة السوريين الى بلادهم بالتعاون مع دمشق.