أكّد وزير الاقتصاد السّابق رائد خوري، أنّ "الدّولة تتملّص من مسؤوليّاتها، وترفض الاعتراف باستدانة الأموال من مصرف لبنان المركزي والمصارف على مدى سنوات، بل تقدّم أرقامًا مموّهةً ومشبوهةً، عند طرحها لأيّ حلّ".

وعمّا يمكن أن تفعله الدّولة حتّى تعيد الحقوق إلى أصحابها، رأى في حديث إلى صحيفة "الجمهوريّة"، أنّ "الوعود الرّسميّة هي كمَن يشتري "السّمك في البحر"، لأنّها لا تسعى إلى خلق "قيمة مضافة" (value creation)، علمًا أنّ الدّولة مالكة لموارد قيّمة غير مستغلّة"، مشدّدًا على أنّ "اكتساب تلك القيمة المضافة يكمن في أن لا تبقى المؤسّسات الحيويّة في يد الدّولة، الّتي لا تعرف كيف تديرها وتستثمرها".

وأشار خوري إلى أنّ "نقل إدارة تلك المؤسّسات إلى القطاع الخاص سيرفع مردودها، وسيبعد عنها شبح الفساد والهدر وقلّة الكفاية وكذلك التّوظيف السّياسي، وهناك الكثير من المؤسّسات الّتي يمكن أن تسري عليها هذه القاعدة، ومن بينها مرفأ بيروت على سبيل المثال".

وأوضح أنّ "قيمة المرفأ وما يحويه من مساحات ومنشآت تمتدّ على مساحة مليونَي متر مربّع، تقدّر راهنًا بنحو 10 مليارات دولار في أحسن الحالات، لكن إذا تمّ تأهيله وتحويله منطقة تجاريّة وسياحيّة متقدّمة يديرها القطاع الخاص، فمن المؤكّد أنّ قيمته سترتفع نحو 5 أضعاف عمّا هي عليه حاليًّا". ولفت إلى أنّ "المطلوب خَصخصة 49% من المرفأ بأسلوب شفّاف ومُحوكَم، الأمر الّذي سيرفع حصّة الدّولة إلى 25 مليار دولار من الـ51% المتبقية؛ وهذا طبعًا أفضل من امتلاك 100% من المرفأ بقيمة 10 مليارات دولار فقط".

كما شرح الفارق بين الوضع السّائد وما يمكن أن يكون عليه، قائلًا: "إذا كانت قيمة المتر الواحد هي 5000 دولار، أي ما يعادل 10 مليارات دولار حاليًّا لكلّ مساحة المرفأ، فإنّ تطوير تلك المساحة سيرفع قيمتها إلى نحو 50 مليار دولار خلال سنوات، كما يمكن أن تترافق هذه الخطوة مع إدراج شروط واضحة ضمن عقد الشّراكة بين القطاعَين العام والخاص، لضمان توزيع الأرباح".

وبيّن خوري أنّه "يمكن عندها أن يُخصّص جزء من المردود المالي لصندوق تعويض المودعين، كما تجوز الاستفادة من الفائض لتعزيز خدمات الدّولة ودفع التّنمية قدمًا إلى الأمام، وهذا المثال ينسحب كذلك على المطار، وقطاع الاتصالات والبريد ومصلحة السكك الحديد وغيرها من المؤسّسات".

وركّز على "أنّه لا يخترع البارود بالنّسبة إلى ما يطرحه، وتوجد دول عدّة لجأت إلى هذا النّمط الاستثماري واستطاعت أن تحقّق عبره نجاحات باهرة، إذ انّ دبي خلال الثّمانينيّات كانت أغلبيّة مناطقها صحراء تملكها الدّولة ولا قيمة لها، إلّا أنّها اتّخذت قرارًا جريئًا قضى بتمليك الأراضي لممثلين عن القطاع الخاص (مجانًا) بدافع تطويرها، ما جذب الاستثمارات الخارجيّة ورفع قيمة الأراضي نحو عشرات الأضعاف؛ بينما الدّولة ما زالت مالكة وباتت دبي أكثر ثراءً".

وعمّا إذا كانت هذه الخطّة تتطابق مع الشّروط الّتي يضعها صندوق النقد الدولي على لبنان لمساعدته، أجاب: "نعم... لأنّه وفق هذه المعادلة، الجميع سيخرجون راضين ورابحين على قاعدة "Win Win": الدّولة ستستطيع تعزيز إيراداتها ورفع قيمة العقارات والمؤسّسات الّتي تملكها، المودعون سيتمكّنون من استعادة أموالهم ولو على المدى الطويل، لكنّهم بذلك يضمنون أنّهم سيستعيدونها؛ وصندوق النقد الدولي سيحصل على ضمان لما سيقرضه للبنان من أموال".

إلى ذلك، اعتبر خوري أنّ "هواجس الصّندوق حيال خطط مماثلة تنطلق من خوفه من أن تبيع الدّولة أملاكها، وبالتّالي أن تضيع ضمان القروض الّتي سيمنحها إلى لبنان، إلّا أنّ اعتماد الخطّة الّتي اقترحها سينعكس نموًّا في الاقتصاد وفي زيادة قيمة إجمالي الناتج المحلّي، كذلك ستربح الدّولة مرّتين: مرّة من ارتفاع قيمة عقاراتها، ومرّة ثانية من تحسّن إيراداتها عبر عائدات الضّرائب الّتي ستجبيها جرّاء زيادة العمالة وتنشيط الاستثمارات".

وذكر أنّ "أفضل ردّ على هواجس صندوق النّقد أو الرّافضين لمثل هذا الطّرح، يَكمن في ما فعلته دول عدّة اعتمدت ​سياسة​ إشراك القطاع الخاص في مرافق الدّولة ونجحت، خصوصًا إذا اشترطت الدّولة على المستثمرين اقتطاع نسبة من الأرباح وزيادة قيمة العقارات وتحقيق عائدات".