أكدت مصادر معنية بالملف الرئاسي لـ"الجمهورية" أنها تعتبر انّه من الخطأ الفادح التقليل من قوة التعطيل الداخلي للملف الرئاسي، والتي تُستمدّ من خريطة المجلس النيابي التي تمنح لكلّ الاطراف قدرة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك قدرة طرح الشروط والتمسك بها، ولكن ليس قدرة فرض هذه الشروط على سائر الاطراف، وهو ما أكدته الوقائع الخلافية منذ بداية الفراغ الرئاسي قبل نحو سبعة اشهر. فالفريق السياسي الدّاعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ثابت على موقفه، ولكنّه لم يتمكن حتى الآن من حشد الاكثرية المطلوبة لفتح باب القصر الجمهوري امام فرنجية، برغم انه المرشّح الجدي الوحيد في نادي المرشّحين، فيما تتخبّط المعارضات المقابلة، بعدم قدرتها على الإلتقاء حول مرشّح منافس، وهذا ينسحب على "حزب القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" وسائر المعارضات المتنازعة التي لكلّ منها موالها السياسي والرئاسي الذي تُغنّيه وفق ما تشتهي.

ورأت المصادر انّ المعطيات الخارجية المرتبطة بالملف الرئاسي تؤكد انه صار في مربّع ما قبل الحسم النهائي لهذا الملف، والاسابيع القليلة المقبلة قد تحمل معها تطورات عربية ودولية موعودة في هذا الاطار، واستباقاً لهذه التطورات يبدو ان كل طرف يسعى الى أن يرفع سعره قبل الحسم، والانخراط في مسار الحلّ الرئاسي الذي يُفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً ان كل الاطراف باتت على بيّنة من ان التعطيل مهما بلغ حدّه وقوته في الداخل لن يكون قادراً على كسر الارادة الخارجية التي يدفع في اتجاه الحلحلة. يضاف الى ذلك عامل اساس فرضَه الحراك الديبلوماسي الأخير وهو خوف بعض الاطراف التي شملها الحراك الديبلوماسي من العقوبات التي لوّح بها بحق معطّلي هذا المسار.

الارباك واضح لدى المعارضة

رئاسيا، اشارت "الديار" الى ان "الارباك واضح لدى المعارضة التي لا تملك "خطة باء"، بعد ما يعتبرونه تنصلا من قبل "التيار الوطني الحر" من تفاهم كان "قاب قوسين او ادنى" على مرشح مشترك ارادوه مرشحا لمواجهة مرشح "الثنائي"، وهو امر يرفضه تكتل "لبنان القوي" الذي يسعى وراء مرشح تسوية لا تصادم، والنتيجة عودة الى "نقطة الصفر" بانتظار خرق داخلي او اختراق لبعض الكتل، تجري بعده الدعوة لـ "بروفة" جلسة انتخاب، او خرق خارجي يمكن ان يترجم برفع منسوب الضغوط العربية والغربية لاتمام الاستحقاق".

لا تملكون الوقت

في هذه الاجواء، كشفت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية" انّ "رسالة قمة جدة التي أكدت على اللبنانيين تحمّل مسؤولية التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، اقترنت بإشارات دبلوماسية تلقّتها مستويات سياسية رفيعة تؤكد ان لبنان لم يعد يملك الوقت لتفويت فرَص نجاته، وقمة جده وفّرت له فرصة ان يَشمله مناخ الايجابيات السائد في المنطقة".

هزّة تُسرّع الانتخاب

على انّ ما يلفت الانتباه في هذه الاجواء ما أكد عليه مرجع سياسي بقوله لـ"الجمهورية" إنّ القرار يبدو انه اتّخذ، منذ اجتماع باريس، والساعة الرئاسية باتت مضبوطة عربيا ودوليا على سكة الانتخاب، والمسألة باتت مسألة وقت قصير، وامام هذا المناخ العربي والدولي لا قدرة لأحد في لبنان على وَقف عقارب هذه الساعة او اعادتها الى الوراء".

وردا على سؤال حول كيفية تجاوز ارادة التعطيل الداخلية، وما اذا كان ذلك يفرض حدوث "هزة" سياسية تخلط الاوراق الداخلية وتُسرّع في انتخاب الرئيس، قال المرجع: "لا أتمنى حصول ذلك، فوضع لبنان صار داخل لعبة الكبار، واللبنانيون اشتهروا بالمزايدة، لكن في لحظة الجد الكلّ يلتحق بالطابور، وهذه اللحظة تقترب، الا اذا اراد البعض ان يُبقي نفسه خارج هذا السياق، عندها فليتحمّل وحده المسؤولية".

وخَلص الى القول: "بتنا حقيقةً في سباق مع الوقت، ما يحتّم على كل الاطراف من دون استثناء أن تقرأ تطورات المنطقة وتحولاتها بعقلانية ومسؤولية بعيداً عن الغوغائيات والشعبويات. وبالتالي، التفاعل الايجابي مع الجهود الرامية الى إخراج لبنان من هذه الازمة التي دفّعتنا أثماناً باهظة في كل شيء، وهذا يعني ان الوقت القصير ينبغي ان يُسخّر لحسم الخيارات وتحديد المرشحين لرئاسة الجمهورية، ولينزل النواب الى مجلس النواب لجلسة الانتخاب".

سحب اسم الوزير السابق جهاد أزعور

ولم يسجل أي جديد على الخط الرئاسي مع وصول جميع المبادرات والوساطات الى طريق مسدود لا سيما على خط التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، حيث تم سحب اسم الوزير السابق جهاد أزعور من التداول بسبب عدم التوافق عليه. ويجري البحث بأسماء بديلة، لكن لا توافق حتى الساعة، وفق ما علمت "البناء".

وأكدت مصادر التغييريين لـ"البناء" أننا لم نصل مع القوات اللبنانية الى أي اتفاق ولا الى خطوط عريضة، فالتباعد سيد الموقف ولا يبدو أننا سنتوافق لكون القوات تصر على موقفها.

وعلمت "البناء" أن المشاورات تجري داخل تكتل لبنان القوي لبحث مسألة حضور أي جلسة يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب الرئيس.

ومن المتوقع أن يعقد لقاء تشاوري بين الكتل النيابية في المجلس النيابي لوضع نقاط مشتركة والتوافق على الدعوة الى جلسة، ويقوم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بمساعٍ على هذا الصعيد.

وأكد مصدر واسع الاطلاع لـ"البناء" أن ظروف الانتخاب لم تنضج بعد وهناك تعقيدات خارجية وداخلية ما قد يطيل أمد الفراغ الرئاسي ويؤجل إنجاز الاستحقاق الى ما بعد حزيران وأكثر، ولا يمكن وضع مواعيد محددة. والأمر مرهون بجملة تطورات داخلية وخارجية لا سيما أن التفاهمات الإقليمية قد تتأخر قليلاً بالانعكاس إيجاباً على لبنان، فضلاً عن الضغوط الأميركية بظل الخلاف السعودي الأميركي في المنطقة لبنان والعامل الاسرائيلي، اضافة الى الخلاف السياسي الداخلي وتقاطع الأطراف المسيحية على رفض رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. ودعا المصدر الى ترقب حركة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري وما سيقوله للكتل النيابية في جولته الثانية المرتقبة، والرسالة التي سيحملها من قيادته بعد القمة العربية.