تتكثّف مساعي القوى السياسية لرسم خارطة طريق الانتخابات الرئاسية في لبنان. واذا كان تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية حصل من قبل حلف سياسي داخلي صلب ومتين، فإن معارضي وصول فرنجية فشلوا في توحيد موقفهم، وضاعت خطواتهم بين رفض تأمين نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، ومحاولة تقديم اسماء بالجملة لاقت تدريجياً الرفض المتبادل، لكن الضغوط الدولية ساهمت في تغيير الموقف الرافض لحضور الجلسة النيابية، من دون ان تفرض توافقاً بين تلك الكتل النيابية.

في الايام القليلة الماضية سعت احزاب "التيار الوطني الحر" و"القوات" و"الكتائب" لإيجاد اسم وازن يستطيع جمع اكثر من 65 صوتاً نيابياً، وتطوير حالة التقاطع السلبي الرافض لفرنجية الى توافق ايجابي منتج، لكن تلك القوى اصطدمت بمسارين: حسابات رئيس "الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يرفض اولاً المضي بمرشح يستفزّ "حزب الله"، ويسعى لقبول الحزب بمرشح آخر، وثانياً عدم ثقة تلك القوى السياسية ببعضها، وخصوصاً بعد سقوط تجربة اتفاق معراب بين "القوات" و"الوطني الحر".

وإزاء الضغوط الدولية ذاتها، ولاسيما الفرنسية الداعمة لفرنجية، تضطر القوى الرافضة الى تقريب المسافات بين بعضها سريعاً، وهو ما يحصل حالياً. واظهرت المعطيات ان باسيل هو المايسترو الذي يتحكّم باللعبة، بينما تمضي الكتل المعارضة الاخرى في السير خلفه ومراضاته لعلمها انها عاجزة عن فعل شيء من دون موافقة باسيل. ومن هنا اذا صدقت خطوات رئيس "الوطني الحر" تجاه معراب والصيفي ونواب التغيير، فإنّ هناك مرشحاً باسيلياً سيتم الاعلان عنه لمواجهة فرنجية.

لكن داعمي رئيس "المردة" يشيرون في مجالسهم الى "محاولة باسيل اقناعهم بطي صفحة فرنجية، تحت طائلة التوجه لمشاكسة خيار حزب الله تحديداً". وهو ما لا يستفز الحزب ولا حركة "امل" ولا كل النواب الآخرين الذين تبنوا ترشيح فرنجية. لماذا؟

يقول مطلعون في مجالسهم ان ثمة اوزان اقليمية ثبّتت نفسها منذ سنوات طويلة في الحرب والتسويات، وهي ليست بوارد التنازل عن رؤيتها تجاه مواقع النفوذ في لبنان والاقليم. ومن هنا يندرج تبنّي ترشيح فرنجية، بإعتباره احد رجالات المرحلة الجديدة القائمة على التسوية الاقليمية. لذلك، جاء توقيت الاعلان عن تبني خيار رئيس "المردة" في هذه الفترة بالذات، بعدما نضجت مسارات الاقليم، وليس قبل ذلك.

يرى المطّلعون انفسهم ان الرهان على كسر الموجة الاقليمية وموازين القوى التي يُعتبر لبنان جزءاً منها، غير وارد ابداً. ومن هنا جاء رفض "حزب الله" النقاش مع باسيل من دون ان يكون فرنجية في اولوية الاسماء. فرئيس "الوطني الحر" سبق وان طرح على قيادات "الثنائي الشيعي" البحث بأسماء بعد التخلي عن اسم فرنجية، لكنه سمع جواباً واضحاً: غير مستعدين لنقاش مشروط. وهذا ما دعا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتوجيه رسالة لباسيل في اخر اطلالة له: مستعدون للنقاش من دون شروط.

واذا استمر رئيس "الوطني الحر" بالتصلّب، فإن الجواب هو: لا تراجع عن فرنجية مهما طال الزمن. يبقى خيار مطروح حالياً هو ترشيح معارضي رئيس "المردة" اسماً واحدا: الوزير السابق جهاد ازعور او الوزير السابق زياد بارود، او غيرهما. لكن من يضمن نجاح هذا المرشح؟

يوحي داعمو فرنجية انهم مطمئنون الى نيلهم العدد النيابي الكافي لتأمين وصوله، ويكتفي حضور رافضي فرنجية الجلسة. هناك قطبة مخفية في عملية احتساب الاصوات، عدا عن وجود نواب، وبعضهم ينتمي لكتل معارضة، يصرّحون بغير ما يضمرون، ويعقدون اجتماعات سرّية مع داعمي فرنجية.

فهل هناك مفاجآت؟ لا يزال الوقت مُبكراً للحسم، رغم معادلة تحضر في الجلسات الخاصة: من فرض توازنات اقليمية لا يُمكن ان يخسر محطة داخلية، فكيف اذا كانت بحجم انتخاب رئيس للجمهورية؟!.