احتدمت الامور بشكل كبير في ​الجنوب​ في الاونة الاخيرة، ووصل التوتر الى مدى بعيد، ولو كانت هذه الاحداث في وقت سابق وظروف اخرى، لكانت الحرب -او على الاقل معركة قاسية محدودة جغرافياً- قد اندلعت. ازاء هذا المشهد، توقع الكثيرون ان تشهد الحدود اللبنانيّة جولة ساخنة من المواجهات، على غرار ما حصل في جنين، ولكن العكس كان صحيحاً، وبالتالي بقي الوضع متوتراً ولم يصل الى مرحلة اعلى، فما السبب؟.

في الواقع، تفيد المعلومات ان الحرص كان عالياً من قبل ​حزب الله​ وال​اسرائيل​يين على حد سواء، لابقاء الاوضاع تحت سقف المقبول والمعقول، كل لاسباب خاصة به، وبالتالي لم يكن هناك من حاجة لاشعال فتيل لا يرغب احد في اشعاله. فمن ازمة الخيم التي نصبها الحزب الى موضوع توغّل الاسرائيليين الى خارج المكان المتعارف عليه في ​بلدة الغجر​ المحتلّة، الى توغّل قوّة من ​الجيش اللبناني​ ومعها عناصر من الحزب الى خارج حدود الخط الارزق، كلها احداث كفيلة باشعال الحرب، ولكنها بقيت مضبوطة، وهذا مردّه لعدّة اسباب منها الدولي ومنها المحلي. فعلى الصعيد الدولي، كان واضحاً ان ادارة الرئيس الاميركي ​جو بايدن​ لم تستسغ التعامل مع حكومة ​بنيامين نتانياهو​، تماماً كما ان الاخير لم يجد اي كيمياء في تعاطيه مع بايدن على غرار ما كان يحصل مع سلفه الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب. وبفضل عدم التفاعل الكيميائي هذا، فمن الصعب جداً قيام اسرائيل بأيّ خطوة واسعة النطاق على غرار معركة او حرب على الحدود اللبنانيّة، وهي تدرك ان مثل هذا القرار لا يمكن ان يمرّ من دون غطاء اميركي، خصوصاً وانّ العلاقة مع روسيا ليست في افضل حالاتها بفعل التعاطف الاسرائيلي مع اوكرانيا. ومن جهة حزب الله، يظهر بوضوح جنوح ​ايران​ نحو التهدئة في المنطقة، واعتماد سياسة المفاوضات مع الجميع، خصوصاً بعد الانفتاح على السعودية وما تم تحقيقه في اليمن جراء ذلك، ولا يمكن للحزب ان يخوض معركة او حرباً من دون ضوء اخضر ايراني.

واذا كانت هناك من عوائق دوليّة، فإنّ العوائق المحلّية حاضرة ايضاً، حيث الغضب الاسرائيلي لا يزال مستعراً على نتانياهو وحكومته بسبب اجراءاته وتدخله في القضاء، اضافة الى التعاطف الدولي مع الفلسطينيين على ما حصل في جنين، وعدم قدرة الجيش الاسرائيلي على فتح جبهتين واحدة داخلية واخرى على الحدود اللبنانية، علماً ان الثانية اخطر واشمل بكثير من الاولى. ولكن، بعد "عرض العضلات" اللبنانية على الحدود وقيام الجيش والحزب بالتوغل الى ما بعد حدود الخط الازرق للمرة الاولى، كان لا بد من طمأنة الشارع الاسرائيلي، فكان تدبير نصب بطّاريات "القبة الحديديّة" التي اثبتت انّها فعالة انّما لحدود معينة ولا يمكنها تأمين حماية مطلقة، لكنها تبقى افضل بكثير من دون ايّ نوع آخر من الحماية.

وفي ما خص الحزب فإنه على الصعيد الداخلي، غير جاهز بعد لخوض حرب الا اذا فرضت عليه، فهو يعاني من مشاكل سياسية داخلية كافية لتشتيت الانتباه، كما ان تسببه بفتح اي جبهة على ابواب الصيف والسياحة، سيرتد سلباً عليه في ظل ما يعاني منه لبنان من ازمة مالية واقتصادية، وسيفتح الباب امام خسارته سياسياً، ناهيك عن الخسارة التي سيتلقاها من قبل عدد من مؤيديه خارج الطائفة الشيعية، بعد جلاء غبار المعارك او الحرب.

لذلك، ودائماً وفق المعلومات المتوافرة، فإن ما نسمعه اليوم ليس طبول الحرب، بل بالاحرى اصوات التهويل والتهديد والوعيد، التي تكفي لشد العصب الداخلي من جهة، ولتأمين حد ادنى من الطمأنينة من جهة ثانية.