لطالما تطلع الاسرائيليون الى منصب رئيس الحكومة كمنصب رسمي وفاعل منذ غولدا مائير وبعدها اسحق رابين وحتى خلال الساعات الماضية.

كان لافتاً الجولة التي قام بها الرئيس الإسرائيلي ​اسحق هرتسوغ​ على الخط المحاذي للحدود الجنوبيّة ل​لبنان​، حيث اطلق من هناك موقفاً "مزلزلاً" وجّه فيه التحذير لـ"​حزب الله​" من ان ​الجيش الإسرائيلي​ قوي والإسرائيليين موحدون، فيما مدّ يد المساعدة و"السلام" للبنانيين شرط ان يتخلصوا من "حزب الله".

للجولة وكلامها معان عديدة يجدر التوقف عندها، ابرزها غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ عن التحذيرات والتهويل والتهديد، وهي اللغة التي كانت دائماً تطمئن الإسرائيليين الذين كانوا يرون فيه الرجل العسكري القادر على طمأنتهم، على غرار ما كان يفعل موشي دايان وآرييل شارون حين كان الجيش الإسرائيلي "بعبع" المنطقة بشكل عام. ولكن ما حصل هو انّ كلام هرتسوغ مجرّد فقاعات هواء إنْ لناحية التهديد او لناحية غصن السلام، فالقول ان إسرائيل موحّدة وان الجيش قوي، تدحضه بالوقائع والأدلّة حالة التشرذم السائدة والتظاهرات اليومية، ومقاطعة الضباط والعناصر في الاحتياط وبعض الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية، أوامر السلطات السياسية والعسكرية على حد سواء.

إضافة الى ذلك، لم يتمكن الرئيس الاسرائيلي من ان يملأ فراغ غياب رئيس الوزراء، فأتى تهديده ضعيفاً ولا يقارن بالعرض العسكري الذي قام به "حزب الله" منذ أسابيع حين قام بمحاكاة احتلال موقع إسرائيلي على الحدود، فكان الردّ بجولة رئيس ضعيف لا تكفي لبث الطمأنينة في قلوب الاسرائيليين. إضافة الى ذلك، فإن المواجهة المحدودة التي سادت بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لم ترق الى النتائج التي أرادها الإسرائيليون والكافية لطمأنتهم بأنهم لا يزالون يملكون اليد العليا في المواجهات، فكم بالحري اذا كانت المواجهة مع "حزب الله"، الذي يحذر الخبراء الإسرائيليون من قوّته ولو اطلقت إسرائيل العنان لترسانتها من الأسلحة والحقت اضراراً بلبنان، الا ان اضراراً كبيرة ستلحق بها ايضاً وهو امر لم يعتد عليه الإسرائيليون.

الى ذلك، يدرك هرتسوغ ان لا قدرة لديه في المقابل، على اتّخاذ أيّ قرار سياسي بحجم السلام او غيره، فالصلاحيّة مناطة برئيس الحكومة، وبالتالي فإن كلامه عن مدّ يد السلام مجرّد حبر على ورق لا يمكن التعويل عليه ولا حتى اخذه في الاعتبار، فكل مقومات السلام غير موجودة، ولا أرضيّة ثابتة يمكن البناء عليها في هذا المجال. واتت هذه المناداة لاعطاء صورة للعرب الذين تم التطبيع معهم ولبعض دول العالم بأنّ إسرائيل محبّة للسلام ولا ترغب في حصول الحرب، وهو كلام تناقضه يومياً الممارسات الاسرائيليّة الاستفزازيّة التي اوجبت في الفترة الاخيرة تدخل ​الجيش اللبناني​ اكثر من مرة للتصدي لها. واذا كان المقطع الصحيح في كلامه يقتصر على الوضع الصعب الذي يعيشه بلد الأرز، وهو ما لا يستحقه اللبنانيون، فإن هذا لا يعني انّ ما قاله بالنسبة الى الوضع في اسرائيل صحيح، فلا الجيش قويّ كما كان سابقاً (باعتراف ضباط وخبراء اسرائيليين، خصوصاً بعد الوضع الحالي الذي يعيشه الاسرائيليون والذي وصلت اصداؤه الى الجيش)، ولا الداخل الاسرائيلي يعيش حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي. نعم، يبقى الوضع الذي يعيشه الإسرائيليون افضل مما يعيشه اللبنانيون، وهذا امر لا يمكن نكرانه، ولكن الأمور ليست على ما يرام، ولا يمكن لأحد ان يتوقع انّ كلام هيرتسوغ سينعكس طمأنينة وراحة على الإسرائيليين. غاب نتانياهو، فحضر هيرتسوغ، ولكن الخطر على الواقع الاسرائيلي باقٍ، وهذه حقيقة من الصعب اخفاؤها او تغطيتها.