شكّل الضمان الاجتماعي صمام الامان لطبابة أغلبية اللبنانيين طيلة العقود الماضية، خصوصاً أن قسماً كبيراً منهم لم يكن يملك كلفة دفع التأمين الاستشفائي. هذا الصمام بالنسبة للمواطنين، تلاشى مع الانهيار وارتفاع سعر صرف ​الدولار​، والتبرير كان ان "الضمان الاجتماعي مكسور" أو على الأقل هكذا أوهموا الناس، فبات المواطن يشتري ​الدواء​ ويدفع ثمنه بالدولار أو ما يعادله بالليرة على سعر صرف العملة الخضراء في السوق السوداء، ويستعيد اليسير من الضمان على دولار أيّام زمان (1500 ليرة).

فائض... المرض والأمومة

لن نعود بالتاريخ إلى الوراء سنوات، سنكتفي فقط بالحديث عن حساب نتائج صندوق ضمان المرض والامومة لغاية 31/05/2023 الذي حصلت "النشرة" على نسخة منه، وتبيّن وجود فائض تبلغ قيمته 672.912.299.051 ليرة لبنانية.

هذه الارقام تأتي في وقت يدفع الضمان الاجتماعي 80% من قيمة الدواء على السعر الوهمي للدولار على 1500 ليرة، فالدواء الذي كان يتشريه المواطن بـ60 ألف ليرة، قبل الدعم وارتفاع الدولار، كان يساوي 40$ ويسترد المضمون منه 48 الف ليرة، اليوم هو ذاته يشتريه المضمون بـ40$ ويوازي 3 مليون و600 الف ليرة، ولكن يسترد من الضمان القيمة نفسها التي كان يحصل عليها على 1500 أي 48 ألف ليرة. علماً أن القانون رقم 3685، والذي يتحدّث عن نسب المساهمة في تكاليف العناية الطبّية وحالات الاستشفاء من قبل المضمون و​الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي​، حدّد 90% مساهمة الصندوق في حالات الاستشفاء، 80% في سائر أنواع تكاليف العناية الطبّية، 10% مساهمة المضمون في حالات الاستشفاء و20% في سائر أنواع تكاليف العناية الطبّية، وبالتالي يستردّ المضمون 1.34% من قيمة الدواء عوضاً عن 80% من قيمته.

حسناً، في السابق كانت يُستعمل تبرير "الضمان مكسور" لإسكات المواطنين، ولكن كيف يُبرّر مخالفة عدم دفع حقوق الناس، خصوصاً وأن الأمر يتعلّق بالإستشفاء، في حين أن لدى الضمان الاجتماعي فائض 672 مليار ليرة؟ وأيّهما أولى، دفع طبابة الناس أو إقفال العجز عن السنوات السابقة "إذا كانت هذه الحجّة"؟!.

تقدير... على مراسيم لم تصدر

أبعد من ذلك، لم يصدر عن الضمان الاجتماعي أيّ موازنة طيلة الأعوام 2019-2020-2021، علماً أن المادة 62/2017 من القانون رقم 66 واضحة، وهي تتحدّث عن كيفية وضع الموازنات. إلا أن رئيس مجلس ادارة الضمان ​محمد كركي​، وبحسب ما أكدت مصادر مطلعة عبر "النشرة"، رفض القيام بذلك إلى أن وصلنا إلى العام 2022، حين اقتنع بوجوب تطبيق القانون فحضّر موازنة عُرضت على مجلس ادارة الضمان لكنها سقطت، إذ ان مجلس الادارة صوّت عليها سلباً بما معناه أنها غير مطابقة، في حين أن موازنة 2023 لا تزال قيد النقاش، شارحةً أن "الخطورة في الموازنة التي تناقش تتواجد ارقاماً إفتراضية فيها، أي أن كركي يقوم بتقدير الواردات بناءً على مراسيم لم تصدر بعد، وعلى سبيل المثال لا الحصر، حتى الساعة فإنّ سقف الاشتراكات هو 5 مليون ليرة في حين أن موازنة 2023 تضع افتراضية تحصيل الضمان لاشتراكات في صندوق المرض والأمومة على سقف قيمته 18 مليون ليرة في مرسوم لم يصدر بعد... فكيف ذلك"؟.

بالتالي يتم تقدير الأرقام بالموازنة على 4 مرّات أكثر من الارقام الواقعيّة. وتشرح المصادر أنه "بلغت التقديرات حوالي 9 آلاف مليار ليرة للعام 2023 والنفقات الادارية 900 مليار ليرة، وهذه الارقام لم يتم تحقيقها بل توضع على افتراض أنها ستحقّق قياساً على زيادة الحد الادنى للأجور، بتقدير الواردات بنسب أعلى، يأخذ نصف بالمئة من تحصيلات نهاية الخدمة و60% من صندوق المرض و40% من تعويضات نهاية الخدمة، وبعد أن تقر الموازنة تفتح اعتمادات بالنفقات الادارية ويؤخذ من الموازنة العامة حصّة الادارة ليتم صرف الرواتب للموظفين ومصاريف تشغيل".

"نفخ" ارقام الموازنة

وتشير المصادر الى أن "كركي يلجأ الى "نفخ" الموازنة ليحصل على رقم 9 آلاف مليار للواردات والنفقات الاداريّة 900 مليار ليرة، وكان يمكن السكوت عن الموضوع لو كان بالامكان تحقيق تلك الارقام، ولكن هذا الأمر مستحيل.

في نهاية المطاف جاء المشهد على الشكل التالي: 850 مليار جمعها من أول 5 أشهر من العام 2023 صُرف منها 150 مليار ليرة على الاستشفاء، ويُصرف منهم بما يوازي أو أكثر على الكلفة الادارية، وبالتالي إذا قاربنا حصّة الكلفة الادارية من صندوق المرض والامومة تصل الى حدود 360 الى 370 مليار ليرة تم دفع مبلغ 150 مليار ليرة منهم كبدل طبابة، وإذا ضربنا هذا المبلغ بـ2.5% (على مدار العام) نرى أن الكلفة الاداريّة من صندوق المرض والأمومة تساوي حصّة الطبابة والاستشفاء من الصندوق نفسه... فهل يعقل ذلك"؟.

بالمختصر، حقّق الضمان الاجتماعي في العام 2023 فائضًا يفوق 600 مليار ليرة، في وقت هو لا يزال يدفع تعويضات الدواء بالدولار على سعر صرف 1500 ليرة، بينما المواطن يشتري على سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والفضيحة الكبرى هي الارقام الواردة في النفقات الاداريّة وتشغيل لحوالي الألف موظّف التي توازي كلفة الطبابة والاستشفاء المدفوعة لجميع اللبنانيين في الخمسة أشهر الأولى من العام 2023... أليست هذه بفضيحة؟!.