على وقع جولة اللّقاءات الّتي يجريها الموفد الرّئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، مع مختلف الأفرقاء اللّبنانيّين، بشأن ملف الانتخابات الرئاسية، كشفت معلومات موثوقة لصحيفة "الجمهورية"، أنّ "نقاشات لودريان مع أفرقاء الملف الرئاسي، لم تحمل في يومها الثاني ما يبعث على التفاؤل في امكان تحقيق اختراق نوعي في جدار التناقضات الداخلية، بل انها ابرزت الخلاصات التالية:
- أولًا، تبنِّ كامل من قبل موفد الرئاسي الفرنسي للمبادرة الحوارية التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
- ثانيًا، العنوان الاساس للزيارة الثالثة للودريان هو "هذا الوضع القائم في لبنان حاليا يجب ان ينتهي في اسرع وقت ممكن"، وفي هذا السبيل، يجب ان يفتح باب الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين بأي شكل من الاشكال، حيث لا سبيل لانفراج سياسي ورئاسي سواه، ومن هنا التوجّه الجدي الى دمج مسعى لودريان بمبادرة بري لتحقيق هذا الهدف، لأن الوضع في لبنان كما نراه شديد التأزم، والتأخير في اعتماد هذا المسار يعني بلا أدنى شك ان وضع لبنان سيتأزم اكثر، وينزلق الى مخاطر اكبر.
- ثالثًا، حرص لودريان خلال نقاشاته على ان يعكس انّ مهمته ليست فرنسية فحسب، بل هي مهمّة مغطاة بدعم كامل من دول اللجنة الخماسية وكل اصدقاء لبنان، مؤكدا ان هذه اللجنة ستُبقي لبنان في عين رعايتها، والأيام القليلة المقبلة ستشهد اجتماعا مهما للجنة حول الوضع الرئاسي في لبنان.
- رابعًا، لم يطرح لودريان أيّ اسم معيّن لرئاسة المجهورية، بل هو استعرض اسماء المرشحين بالعموميات من دون ان يزكّي اي اسم، وفي خلاصة هذا الاستعراض أُبقي الباب مفتوحا على كلّ الخيارات، واللبنانيون هم المعنيون بالتوافق على الخيار الذي تتوفر فيه المواصفات المطلوبة.
- خامسًا، كررت نقاشات اليوم الثاني على مسمع لودريان المواقف السياسية ذاتها، التي سبق له ان سمعها في زيارته السابقتين، فالمعترضون عزفوا على اسطوانة رفض رئيس الممانعة، ورئيس يحكمه "حزب الله"، واتهام الفريق الآخر بمخالفة الدستور واقفال المجلس النيابي وعدم عقد جلسات انتخاب حقيقية. وبرروا رفضهم لأي صيغة حوارية، بأنها مناقضة للدستور الذي ينصّ بحسب قولهم على عقد جلسة فورية ومفتوحة لانتخاب رئيس الجمهورية، وان كان ثمة حوار مطلوب، فيمكن ان يجري بين دورة ودورة".
- سادسًا، ان انتهاء مهمة لودريان الذي تردد انه سيغادر بيروت يوم غد الجمعة، لا يعني ان هذه المهمة قد انتهت، بل انها ستستمر حيث انه لا يوجد اي تعارض بين ان يستمر في هذه المهمة لاحقا، وبالتالي القيام بزيارة رابعة الى بيروت تبعا للظروف التي قد تستجد حول الملف الرئاسي، وبين تسلمه مهامه الوظيفية الجديدة نهاية الشهر الجاري (كرئيس لوكالة التنمية الفرنسية في العلا (أفالولا)، المسؤولة عن التعاون مع السلطات السعودية لتطوير السياحة والثقافة في منطقة العُلا الشاسعة). وقد نقل عنه قوله ما مفاده: "اننا لن نتوقف عن بذل الجهود تجاه لبنان، ولن نتعب من الصبر".
- سابعًا، انّ خلاصة النقاشات التي اجراها لودريان مع الأفرقاء السياسيين، سيعرضها في لقاء ثان مع بري، لتتحدد في ضوء هذا العرض الخطوة التالية، وليس مستبعدا في هذا السياق ان تتجلى هذه الخطوة بدعوة يوجهها رئيس المجلس الى جلسات الحوار خلال الايام القليلة المقبلة".
من جهتها، لخّصت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية"، موقف "حزب الله" الذي تمّ ابلاغه للموفد الرئاسي، كما يلي: "نحن نؤيّد مبادرتكم الحوارية، وكذلك الامر بالنسبة الى مبادرة بري. ولكن كما ترون الآخرون (في اشارة الى "القوات اللبنانية" وسائر الجهات المعارضة للحوار) رفضوا واعترضوا على مسعاكم وعلى مبادرة بري. ومن جهتنا، نحن مع الحوار ومستعدون له، وكذلك مستعدون ان نصبر معكم لأمد طويل جداً. كما ان "حزب الله" يعتبر انّ المسألة ليست مسألة شخص او اسم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، مع التأكيد اننا لن نتنازل عن دعمه، كونه يعني الكثير بالسنبة الينا، بل ان المسألة تتلخص في ان الآخرين يسعون لأن يأخذونا الى مكان آخر، حيث انهم يفسرون اتفاق الطائف كما يريدون، واكثر من ذلك يريدون أن يأخذوه الى حيث يريدون. ويريدون ان يستدرجونا لكي نؤمّن لهم النصاب الذي يمكنهم من ان ينتخبوا رئيساً للجمهورية من دون تفاهم او توافق، ولكن لن نعطيهم ذلك، وإن كانوا يظنّون أنّ في مقدورهم تحقيق ذلك فليجربوا حظهم".
النواب السنة
على صعيد متّصل، أكّدت مصادر سياسية لـ"الجمهورية"، تعليقًا على اللقاء المرتقب للودريان مع نحو 22 نائبا سنيا في دارة السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في اليرزة، أن "هذا اللقاء الذي سينعقد في حضور الموفد الرئاسي الفرنسي، لا يعبّر عن خطوة مكملة لمهمة لودريان فحسب، بل هو خطوة رافدة لمهمته بدعم مباشر لها من قبل السعودية، خصوصا ان الأخيرة هي واحدة من دول اللجنة الخماسية، وعلى تواصل دائم مع الجانب الفرنسي تحديدا حول الملف الرئاسي في لبنان".
حركة لودريان بلا بركة... ومساعٍ سعودية لضمان "صوت النواب السُّنّة"
في السّياق نفسه، ذكرت صحيفة "الأخبار" أنّ "الاشتباك الداخلي حول الحوار الذي دعا إليه بري، تحوّل إلى اشتباك مع الفرنسيين أنفسهم، إذ سمع لودريان اعتراضات من قوى وشخصيات معارضة لدعوة بري، طالبته بعدم التماهي مع موقف رئيس المجلس. وتردّد أن باريس، في حال لم تحصل استجابة من الأفرقاء المحليين لدعوة بري، قد تفكّر في دعوة توجّهها إلى القوى اللبنانية للتحاور أو التشاور حول آلية تتيح انعقاد المجلس النيابي سريعاً لأجل انتخاب رئيس جديد للبلاد".
ولفتت إلى أنّ "الجميع كان مهتماً بالوقوف على نتائج الاجتماعات التي عُقدت في باريس قبل وصول لودريان، وشارك فيها المستشار السعودي نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد بخاري، وحضر جانباً منها ممثلون عن حلفاء السعودية في لبنان، أبرزهم النواب وائل أبو فاعور وملحم رياشي وفؤاد مخزومي. وقال هؤلاء إن "الرياض وباريس أصبحتا تتشاركان الموقف نفسه من الملف الرئاسي على عكس ما كان عليه الوضع سابقاً"، علماً أن السفير السعودي دعا النواب السُّنّة إلى اجتماع اليوم يحضره لودريان".
وأشارت مصادر لبنانيّة للصحيفة، تعليقًا على لقاءات لودريان أمس، مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، النائب السابق وليد جنبلاط ونجله رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب تيمور جنبلاط، رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، إلى أن لودريان "لم يحمِل جديداً، بل ظهرَ وسيطاً مسوّقاً لمبادرة بري، وشدّد على أن "لا بديل عن الحوار". وحاول لودريان إقناع الرافضين بالمشاركة في الحوار الذي ستليه دورات متتالية بجلسات مفتوحة، وتحدّث عن "ضمانات لديه بأنه لن يتم تطيير للنصاب حتى انتخاب رئيس للجمهورية".
وأكّدت مصادر سياسية لـ"الأخبار"، أنّ "لقاء لودريان مع "الكتائب" كانَ سيئاً للغاية، وأن الجميل أكّد موقف حزبه بمقاطعة أي حوار إن كانَ برعاية بري أو الفرنسيين، وأصرّ على الذهاب إلى جلسات انتخاب مفتوحة، حيث لا مجال للحوار مع حزب الله"، معتبرةً أن "موقف الجميل وجعجع يوجِب الانتباه وهو خطير. فهما أصرّا على رفض الحوار رغم الضمانات التي قدّمها لودريان بعقد جلسات وعدم تطيير النصاب، وإشارته إلى أن الرئيس لن يكون من أي فريق، ما يعني أنهما يريدان الفراغ والذهاب إلى الانهيار وصيغة جديدة مهما كلّف الأمر".
من جهة أخرى، أفادت الصّحيفة بأنّ "الأنظار تركّزت على الحركة السعودية، حيث تقصّدت الرياض أن تكون في الواجهة، بعدَ أن تصدّرت سابقاً باريس في العلن والدوحة في السر مهمة "التوصل إلى حل" للأزمة، فضلاً عن إيصال الرسائل من الخارج، ومردّ ذلك إلى ما لمسه المسؤولون السعوديون خلال اجتماعاتهم في باريس التي لم تقتصر على لودريان، بل شملت أيضاً المستشار الرئاسي الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل".
وكشف مطّلعون لـ"الأخبار"، أن "الإرباك ظهر واضحاً على المسؤولين الفرنسيين، وأن كلام دوريل كانَ مختلفاً عن كلام لودريان. فالأول لا يزال يطرح تسوية فرنجية واختيار رئيس حكومة محسوب على الفريق الآخر، بينما الثاني يؤكد أن ذلك غير وارد بسبب التعقيدات الداخلية، وكلاهما يقول بأنه هو الموكل بمتابعة الملف".
لودريان يجيّر المبادرة لبرّي والرافضون للحوار: انتخاب الرئيس اولاً
على صعيد حراك لودريان أيضًا، أشارت مصادر سياسيّة مطّلعة لصحيفة "الديار"، إلى أنّ "ما خرج من اجتماعات لودريان ومحادثاته على مدى اليومين الماضيين، هو تأكيد ما هو مؤكّد، ألا وهو أن لا مجال لحلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية، إلّا بالحوار ثمّ الحوار ثمّ الحوار، وأنّ مبادرة برّي تُشكّل المخرج لهذه الأزمة، لا سيما مع انتهاء مهمّة لودريان الذي لن يعود الى لبنان. وهذا يعني بأنّ الموفد الفرنسي قام بتجيير مهمّته بعد انتقاله الى العُلا في السعودية لاستئناف عمله فيها كرئيس لوكالة التنمية الفرنسية في تشرين الأول المقبل، الى برّي، إذ دعم مبادرته للحوار. كما الى الموفد القطري الذي قد يخلفه كمتحدّث باسم اللجنة الخماسية خلال المرحلة المقبلة، وذلك بعد فشله في خرق جدار الأزمة الرئاسية".
وتوقّعت "عدم التوصّل الى أي نتائج إيجابية وحاسمة في نهاية زيارة لودريان، في ظلّ المواقف السياسية المتناقضة، وفي ظلّ الرفض المتواصل من قبل البعض للحوار من دون تقديم أي بديل عنه، في الوقت الذي تُحدث فيه "الخماسية" تطوّراً يُنتظر نتائجه من خلال اجتماعها المرتقب يوم الثلاثاء المقبل في نيويورك".