علّمنا المطران جورج خضر، ألا نبني عظة أو مقالا من منطلق شخصيّ، وألا ننجرف في العصبيّات والأحقاد والإنفعالات الشخصيّة، بل فليكن كلامنا من منطلق التعليم. وغالبًا ما كان يستشهد المطران خضر برسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس: "ولا تخرج كلمة رديّة من أفواهكم، بل كل ما كان صالحًا للبنيان"(أفسس ٤: ٢٩).

الكتابة أو العظة، أو أي كلمة نتفوّه بها، لها وقع كبير ومهم لدى القارئ أو المستمع. من هنا وجب علينا أن نختار المواضيع بدقّة، وأن تكون المقالة معروفة الأهداف بتراتبيّة وتناسق واضح ومفردات جيّدة ومتماسكة، حتّى تؤدي الرسالة المرجوّة منها.

مع صدور مقالتي الأسبوعيّة، عبر "النشرة" اللبنانية الإلكترونيّة، تصلني تعليقات متعددة، معظمها يصبّ في خانة الثناء والتأييد والمجاملات، في حين أن الانتقاد البنّاء ليس بالأمر المستنكر والمستهجن أيضًا.

بعض القرّاء يقترح أن اتناول مواضيع معيّنة، منها السياسيّ، أو الأمنيّ. إلا أن أحبّتي القرّاء كثيرًا ما يسهَون أنّي انطلق من الموقع الذي امثّله. أنا لست بإعلاميّ متخصّص، جلّ ما في الأمر، أنّي، ككاهنٍ وابن لهذا البلد، وجدت مجالاً في هذه النافذة فرصة لكي أترجم بعضًا ممّا يختلج عقلي من أفكار، وقلبي من أحزان وآلام. فالكاهن، أو أيّ رجل دين، عليه أن يلتزم بسقف معيّن في الكتابة، لا يستطيع أن يتجاوزه، لأنه سيؤدّي حسابًا أمام الله أولًا، وأمام مرجعيّاته والقرّاء ثانيًا. أعترف أنّني لا أملك من صفات الكاتب المتخصّص، إلا الشيء القليل، هي بعضٌ من الوزنات التي غرسها الخالق في عبده، أسعى لاستثمارها، على كافّة الصعد والمستويات، لا لطمرها، حتى عندما أقف أمامه، أسمع منه تلك الآية: "نِعمًا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ" (متى 25: 23).

من موقعي ككاهن مسؤول، لا بد أن أضيء في مقالاتي، أو من خلال العظات، على أوجاع وأحزان الناس، وعلى الأمور التعليميّة والبشاريّة والتوجيهيّة، كما من واجبي الإشارة إلى أهميّة الأمور الاخلاقيّة وتحصينها، وتنبيه القارئ على المخاطر التي تؤثّر على العائلة والمجتمع. كذلك أحاول التّصويب على البدع والهرطقات التي تقتحم حياتنا الدينيّة والكنسيّة والاجتماعية. وبالتالي أسعى إلى توجيه "بوصلة" المؤمن نحو إلهنا العظيم. أمّا المواضيع السياسيّة فلها أربابها، لأنها بابٌ يدخلنا في متاهات كثيرة ومتعدّدة. ومع هذا لا شيء يمنعنا من تناولها بشكل بنّاء وحكيم.

أيّة كلمة كُتبت، أو نُطق بها على لسان أحدنا، ولا تأتي بالإفادة والثمار المرجوة، تكون دينونة على كاتبها أو قائلها. لا بدّ لكلّ كاتب، أن يزين كلمته بدقّة، حتى تكون مفيدة بكلّ ما للكلمة من معنى.

الكاتب بالاجمال، اذا لم يضبط كلماته وينضوي تحت كلماته، ويختار المواضيعَ بدقّة، عندها تخرج الأمور عن سياقها الطبيعيّ، وينجرف مع القارئ إلى المجهول. من هنا اختيار المفردات والتعبير بأفكار واضحة، ومبدعة، ومفصّلة، ونابعة عن معرفة وإلمام، هي نقاط أساسيّة لإنجاح أيّة مقالة تفيد القارئ، وتصل إلى الهدف المرجوّ.

اعرف أنّ الكتابة مسؤوليّة، ولكنّي أدرك أيضًا أنّ من مسؤوليّتي الكتابة.

أنهي بقول للمطران خضر: "الكاتب رسول. ليس طالبَ جمال. غاية الكتابة فقط كشف الحق. والأداء وسيلة. الجماليّات ثانويّة. تنفع ان جاءت من الحق. أنت تكتب للآخرين أي في المحبة، ليصبح الحبُّ كلَّ شيء فيهم".