حول رأس والدة الإله والقدِّيسين والملائكة في الأيقونات، توجد هالة مِن نور. كذلك حول رأس الربِّ يسوع المسيح الَّذي هو مصدر النور والقداسة. هو الوحيد الَّذي يوجد صليب في هالته لأنَّه صُلِبَ. كما يوجد ثلاثة أحرف يونانيَّة OWN، وهي كلمة واحدة تعني الكائن، ترجمة لكلمة "يهوه" الآراميَّة – العبريَّة. وهو الاسم الَّذي عرَّف الله فيه عن نفسه عندما تكلَّم مع موسى النبيِّ في العلَّيقة المشتعلة وغير المحترقة (خروج3/ 15)، وقال له عن اسمه: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ» أي أكون الذي أكون، وأنَّه سيخلِّص الشعب اليهوديَّ مِن عبوديَّة فرعون. هذا كلُّه صورة مسبقة عن عبورنا من عبوديَّة الخطيئة إلى حرِّيَّة أبناء الله، أي الفصح المجيد القياميِّ مِن بين الأموات.

كذلك اسم يسوع يعني «يهوه يخلِّص»، «يشع» فعل الخلاص بالعبريَّة. لهذا قال الملاك ليوسف إنَّ مريم سَتَلِدُ ابْنًا، وسيدعو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأنَّه يخلِّص شعبه من خطاياهم (متَّى1/ 21). وعندما سأل اليهود يسوع مَن أنت، أجابهم : «الحقَّ الحقَّ أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيمُ أنا كائنٌ» (يوحنَّا8/ 58).

نعم، الربُّ يسوع المسيح تجسَّد ليقدِّسنا. وهنا لبُّ الموضوع. دعوتُنا كلِّنا أن نتنقَّى ونخلع الخطايا مِن نفوسنا، فنستنير، وتشعَّ هالة القداسة حول رؤوسنا، الهالة الَّتي لا يمكن أن تتحقَّق ما لم نقدِّم توبة حقيقيَّة مِن عمق القلب، ونغيِّر مسلكنا بالكلِّيَّة لنسير في طريق الإنجيل.

كلُّنا أيقونات حيَّة، بانتظار أن نحقِّق مشروع القداسة في حياتنا. والهالة في الأيقونة هي بمثابة إكليل نصر وتاج لحامليها، تمامًا كما كان يوضع إكليل الغار على تماثيل الأباطرة والآلهة في الفنِّ الإغريقيِّ والرومانيِّ، ويعطى للمنتصرين في الحروب والأبطال والفائزين في المبارزات والسباقات الأولبيّة. فهي كانت تشير إلى المكانة العالية لصاحبها والمميَّزة، وإلى قوَّته، وأيضًا إلى أنَّه الظافر. حتَّى في عهد قسطنطين الملك نُقشت على صورته على العملات.

هذا تمامًا وضع القدِّيسين ولكن بمفهوم آخر. مكانتهم عالية لأنَّهم تواضعوا، وهم مميَّزون لأنَّهم أخلوا ذاتهم وامتلأوا مِن الربِّ، وقوَّتُهم تكمن في اتِّحادهم بالربِّ، وانتصارُهم هو على الشرِّير وكلِّ تجاربه ومغرياته. لهذا، فإنَّ هذا الإكليل لا يعطى إلَّا مِن فوق، وهو ليس مِن صنع المخلوق بل نعمة مِن الخالق. إنَّه الجمال الإلهيُّ، وكلُّنا يبحث عن الجمال وعندنا ما يسمّى محبّة الجمال La Philocalie[1]، ولكنَّ الجمال الحقيقيَّ هو جمال النقاوة والطهارة والقداسة بعد ألف توبة وتوبة.

يأتينا بولس الرسول بشرح جميل ورائع في ذلك، فيقول إنَّ المتسابقين في الميدان يركضون، ولكنَّ واحدًا يفوز، وجائزته إكليل يفنى، أمَّا المؤمن المجاهد الحقيقيُّ فإكليله لا يفنى لأنَّه سماويٌّ. (1 كورنثوس9/ 24-25).

إضافة إلى ذلك، للإنسان الروحيِّ سلطة بنَّاءة وليست هدَّامة، لأنَّ سلطته مملوءة بالمحبَّة وبعيدة كلَّ البعد عن التسلُّط المريض المشبع بالأنانيَّة القاتلة والمكروهة. كما أنَّ حكمه بالأمور مملوء بالحكمة والعدل وحسن التمييز، لأنَّ القرارات الصالحة تخرج مِن النفوس الصالحة والحكيمة والحرّة مِن الخطيئة. وهنا أيضًا يضيف بولس الرسول معلنًا: «وأمَّا الروحيُّ فيَحكم في كلِّ شيء، وهو لا يُحكَم فيه من أحد» (1 كورنثوس2/ 15).

لهذا نجد أنَّ الفنَّ الكنسيَّ أظهر منذ البداية البُعد الروحيَّ واللاهوتيَّ للهالة في الجداريَّات والأيقونات. نجدها في دياميس روما مثلًا مِن القرن الرابع الميلاديِّ، فهناك جداريَّة[2] تُظهر الربَّ يسوع وحول رأسه هالة، وهو يقف بين الرسولين بطرس وبولس. والأمر ذاته في جداريَّة تمثِّل إقامة الربِّ يسوع للعازر. وهناك جداريَّات لوالدة الإله ونقوش مِن القرن الخامس الميلاديِّ لوالدة الإله وحول رأسها هالة. إحداها واجهة رخاميَّة محفوظة في المتحف الوطنيِّ اللبنانيِّ، لأحد المدافن، اكتشفها مؤسِّس المتحف الوطنيِّ المير موريس شهاب في صور، وعليها صليب من كلِّ جهة، وفي الوسط رسم للسيِّدة العذراء، وكتابة تؤكِّد أنَّه مدفن بروليوس ويعود إلى العام 440 م.

وأصبحت الهالة شائعةً بقوَّة، ابتداءً مِن القرن السادس الميلاديِّ، شرقًا وغربًا. والمثال على ذلك، أيقونتان محفوظتان في دير القدِّيسة كاترينا في سيناء، وتعودان إلى القرن السادس الميلاديِّ. الأولى أيقونة الربِّ يسوع المسيح الضابط الكلَّ، والثانية والدة الإله الجالسة على العرش، وفي حضنها الربُّ يسوع يبارك، وعن يمينها القدِّيس ثيوذوروس وعن يسارها القدِّيس جاورجيوس، كلاهما يحملان صليبًا، إشارة إلى أنَّهما شهيدان للمسيح. خلف والدة الإله ملاكان بلباس أبيض ينظران إلى السموات. اللافت في هذه الأيقونة، أنَّ كلَّ الأشخاص لديهم هالة حول رؤوسهم.

وفي الغرب مثلًا، نشاهد في البازيليك في رافينا La Basilica di San Vitale في فسيفساء الحنيَّة (ق6) المسيح جالسًا على الكرة الأرضيَّة، ممسكًا بيده لفائف الختوم السبعة[3]، بين رؤساء الملائكة؛ ويسلِّم إكليل الشهادة إلى القدِّيس Vitale، والأسقف Ecclesio يستلم نموذج الكنيسة. وفي الأسفل توجد الحديقة السماويَّة الَّتي تحتوي على تمثيل مبسَّط لأنهارها الأربعة. وفي الأعلى على الجانبين مدينتا بيت لحم والقدس، وفي الوسط ملاكان ييمسكان الدائرة الشمسيَّة، وحرفAlpha في الوسط، إشارة إلى الرب يسوع الذي هو البداية، أي الكل في الكل .

خلاصة، الهالة في الأيقونة هي هالة مِن نور، وهي إكليل مِن نور/ Fotostéfanos Φωτοστέφανος، إكليل مِن النور الإلهيِّ الَّذي لا يعروه مغيب، بعكس ما كان يحصل في روما على الطريق في موكب الاحتفال بالنصر، إذ كان يحمل تاج النصر عبد فوق رأس المحتفى به، ويردِّد باستمرار: تذكَّر أنَّك ستموت memento mori، بما معناه، أنَّ كلَّ شيء هنا زائل.

أعطنا يا ربُّ أن نعمل للمجد الباقي.

إلى الربِّ نطلب.

[1]- هي مختارات آبائيّة من النصوص المكتوبة حول الروحانيّة الأرثوذكسيّة والهدوئيّة، بين القرنين الرابع والخامس عشر.

La Philocalie : φιλοκαλία, φιλία philia « amour » et καλλος kallos « beauté »

Un mot grec signifie littéralement « amour de la beauté » / « amour du bien / bon »

[2]- Painting of the catacombs of Saints Marcellinus and Peter. 2nd half IV century

[3] - "وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ الْخَرُوفُ وَاحِدًا مِنَ الْخُتُومِ السَّبْعَةِ، وَسَمِعْتُ وَاحِدًا مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ قَائِلًا كَصَوْتِ رَعْدٍ: «هَلُمَّ وَانْظُرْ!»" (رؤ 6: 1).