جَسَدُ لبنانَ وَدَمُّهُ، هُنا. هوَ أبَداً في آخِرِ رَمَقٍ لأَنَّهُ يُلقى في العارِ مِمَّن لامَنطِقُهُمُ أن يُبعِدوا عَنهُ نُخَبَهُ، وَيُقصوا فُرَصَ كَفاءاتِهِمِ وَبُنى إبداعِهِمِ. لَكَأنَّ الشَيطانَ أبَداً يَثأرُ لِنَفسِهِ فيهِ، إذ يَرفُدهُ لإدارَتِهِ أولَئِكَ الَذينَ مِن فَراغٍ، فَيَحكُمونَهُ وَيَحكُمونَ على أنفُسِهِمِ بَينَ شَراسَةِ الأهواءِ وأهوالِ الخَطِيئاتِ.

هوَ لبنانُ في الكَوارِثِ المُتأتِيَةِ مِنهُمُ أيضاً. هُمُ الى مَثوى الرَمادِ، حَيثُ إستِحقاقُهُمُ أن تَدوسَ عَلَيهِمِ وَتَمضيَ، لأنَّلبنانَ وَحدَهُ حارِسُ خُلودِ الإنسانِ.

حارِسُ الخُلودِ هوَ، لِأنَّ الروحَ يَهُبُّ عَلى المُبادِرينَ، وَهُمُ النُخَبُ. وَمَهما إشتَدَّ نَهَمُ الشَيطانِ يُلاحِقُهُمُ، لبنانُ هُنا حارِسُ مِنعَتِهِمِ. أَلَيسَ الفِكرُ يُكتَبُ بالدَمِّ المُراقِ؟ إنَّهُ مِقدارُ الحَياةِ وَنِقطَةُ تَحَوُّلِ الإنسانِ قيمَةً... مَهما إستَهلَكَ الشَيطانُ العالَمَ، وَإِستَكبَرَ مُذوِياً لبنانَ في التُرابِ وَمُتَمتِماً لَهُ: عُد الى ذاتِكَ، إن إستَطَعتَ.

هوَ المِلحاحُ لأَنَّهُ الكَيانُ، في وَجهِ شُحناتِ الشَيطانِالمُتَزَمِّنِ في تَصافي التَأبُّدِ، في مآرِبَ الظِلالِ، هُناكَ حَيثُيَخَتبِىءُ تَحتَ رُزوحِ خُبثِ المُمالَقاتِ.

أجَل! كِيانِيَّةُ لبنانَ أُمَّوِيَّتُهُ في الإنسانِ وَلَهُ. في عُمقِهُوِيَّاتِهِ المُتَشابِكَةِ وَمَعانِيَ تَعريفِهِ بِنَفسِهِ. بَينَما كِيانِيَّةُ الشَيطانِ المُتَرَبِّصِ بِهِ ‒مِنَ الداخِلِ، قَبلَ الخارِجِ‒تَمَرُّدُ الإنغِلاقِ وإنقِضاضُ القَضاءِ على النَفسِ الَتي تُقرِئ العَقلَ. الشَيطانُ قَلِقٌ. لبنانُ واعٍ.

بَينَ خَفَرِ لبنانَ الَذي هوَ الصِدقُ، وَعُهرُ الشَيطانِالَذي هوَ مكرٌ، الحَقيقَةُ. سَيفٌ قاطِعٌ. الشَيطانُ طاغِيَةٌ هَدَفُهُالإنسانِيَّةُ: هوَ مآزِقُ الفَوضى. لبنانُ صاقِلٌ، هَدَفُهُ الإنسانُ: هوَ صِياغَةُ الضَرورَةِ الَتي تُحَوِّلُ الجِراحَ الى نُطقٍ. الى نِظامٍ. جَهلُ الشَيطانِ يُعَقِّدُهُ. مَعرِفَةُ لبنانَ تُبَلوِرُ بالكَرامَةِ المُتَكَلِّمَ فَتَرفَعُهُ فاعِلاً. تُحِرِّرُ. بالحُلُمِ. بالواقِعِ. بالإِثنَينِمَعاً. تُحيي كُلَّ وجودٍ... حينَ حِقدُ الشَيطانِ يُفقِدُ كُلَّ مُبَرِّرِوجودٍ.

جَبْرَؤوتُ الشَيطانِ المُتَرَبِّصِ بِلبنانَ-نُخبَةِ- النُخَبِ طَوعِيَّةُ شَرٍّ. عَظَمَةُ نُخبَةِ-لبنانَ-النُخَبِ طَوعِيَّةُ تَسَيُّيدٍ. تِلكَ غايَةٌ في الجُحودِ. هَذِهِ إطلاقُ الكَينونَةِ.

أفي الوَجَلِ، لبنانُ حارِسُ خُلودِ الإنسانِ؟ إنَّهُ مَسيرَةٌ، لا مُجَرَّدُ نَوباتِ وعَّاظٍ تُضافُ الى أكاذيبَ الشَيطانِ، وإن تَلَبَّسَت حُجُبَ التَسابيحِ. في هَذا غَوصُ عَظَمَتِهِ وسِرُّتَجَلِيَّاتِهِ: الى العُمقِ العُمقِ. حِينَ الشَيطانُ يَتَعَملَقُ بِعَبَثِيَّةِ أن لا مِعنى لِأَيِّ وجودٍ، يَتَجَوهَرُ لبنانُ بأَنِّ لِكُلِّ وجودٍ مَنبَعٌ مِنَ الفَوقِ وَعَلاقَةٌ مَعَ الهُنا... كُلِّ هُنا. هيَ نَسَمَةُ الحَياةِ الَتي يَبُثُّها شُعلَةً. صَغيرَةً. فَريدَةً. خافِتَةً. لَكِن هادِرَةً. مُتَنَوِعَةً. هائِلَةً.

سُلطانُ السِيادَةِ

أقُلتُ لبنانُ سَيِّدٌ فيما الشَيطانُ المُستَهدِفُ لَهُ ‒مِنَالداخِلِ، والخارِجِ‒ مُستَعبِدٌ عَبدٌ؟ ألَيسَت غايَةُ إبداعِ لبنانَ-النُخُبَ-النُخبَةَ الإنسانُ، كُلُّ إنسانٍ وَكُلُّ الإنسانِ، كَهَدَفٍلِلخالِقِ-اللهِ، إذ في جَوهَرِهِ جَوابُ السُؤالِ-السُؤالِ: لِماذا أنا مَوجودٌ، وَها هُنا؟.

وَلَيسَ الجَوابُ إلَّا في مَقصِدِ لبنانَ-الحارِسِ: أنتَ، أيُّها الإنسانُ، ثَمَرَةُ إرادَةِ مَحَبَّةٍ. حُرَّةٍ. مَجَّانِيَّةٍ. وَهَذِهِ الإرادَةُ، هيَإلمِن فَوقِ، تُكَلِّلُكَ بالعَلاقَةِ مَعَ ذاتِكَ وَمَعَ الكَونِ. مَعَإنسانِيَّتِكَ، وَمَعَ اللهِ في كُلِّ هاهُنا. فَلا إنفِصالَ بَعدُ وَلا تَصادُمَ، لا تَصارُعَ وَلا تَقاتُلَ، لا تَظَلُّمِ وَلا إستِعبادَ بَينَمَعرِفَةِ حَقيقَتِكَ وَهُوِيَّتِكَ وَرِسالَتِكَ... وَمَعرِفَةِ اللهِ-خالِقِكَ، وَحَقيقَتِهِ وَهُوِيَّتِهِ وَرِسالَتِهِ. بَل في هَذا الِّلقاءِ، تَتَكامَلُالمَعرِفَتانِ في مَجدٍ مُتَبادَلٍ.

في هَذا سُلطانُ سِيادَةِ لبنانَ! حِينَ الشَيطانُ يَنكُرُهُ بالظُلمَةِ الحالِكَةِ، لبنانُ يُجابِهُهُ بالنورِ الصارِخِ. بإبداعِ الخُلودِالَذي هوَ وَحدُهُ حارِسُهُ. تِلكَ أولَوِيَّةُ لبنانَ-الإنسانَ: أن يَكونَ الكَلِمَةُ-السَيِّدَةُ، وَلَو أُنزِلَ الى الجَحيمِ.