شهدت الساعات الماضية ولا تزال تغيّرا في المشهد الفلسطيني الاسرائيلي لا سيّما بين حركة حماس وتل أبيب حيث بادرت الحركة هذه المرّة الى اطلاق الصواريخ وشّن الهجوم في تغيير واضح لقواعد اللعبة، بعد أن كان الجيش الاسرائيلي دائمًا هو في موقع الهجوم والحركة في موقع الدفاع. وهذا الصراع، الذي أسفر عن تبادل الصواريخ والضربات الجوية، أثار قلقًا عالميًا. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على التصاعد الجاري للصراع، مستكشفًا الأسباب وراء قرار حماس بإطلاق الصواريخ على الرغم من تاريخ إسرائيل في بدء الهجمات.

وفي وقت تتسارع الأنباء الواردة من الأراضي الفلسطينية عن أسر 35 اسرائيليًّا واحراق دبّابة اسرائيليّة، وتجول سيارات "حماس" خارج غلاف قطاع غزّة في المستوطنات، بدأ الهلع والقلق يتسرّب الى الجيش الاسرائيلي ممّا حصل، خصوصًا أنّه شكّل صدمة في اسرائيل غير محسوبة اطلاقًا، هذا وقد اعلن القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، في كلمة له "بدء عملية طوفان الأقصى"، مشيرا الى انه "قررنا أن نضع حدا للانتهاكات الإسرائيلية".

واكد الضيف أن "الضربة الأولى من عملية طوفان الأقصى تجاوزت 5 آلاف صاروخ استهدفت مواقع العدو ومطاراته وتحصيناته العسكرية"، لافتا الى انه "بدءا من اليوم ينتهي التنسيق الأمني مع الاحتلال".

ولاحقا اعلن الجيش الاسرائيلي بدء شن غارات واستهداف مواقع لحركة حماس في قطاع غزّة.

في الأسباب الجذرية ولفهم دوافع الهجمات الصاروخيّة التي قامت بها حماس يتطلب دراسة السياق الأوسع للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حيث تحمل الشعب الفلسطيني، ولا سيما في غزة، على مر العقود، عبء الصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالحصار الإسرائيلي، الذي تم فرضه، قيّد بشدة حركة السلع والأشخاص، مما أدى إلى معدلات عالية من البطالة والفقر، وتقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية.

بالإضافة إلى الحصار المستمر، واجه الفلسطينيون أيضًا الإجلاء القسري والاستيلاء على الأراضي وتوسيع المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي المحتلة. ومن الطبيعي أنّ هذه الإجراءات أثارت الغضب والشعور بعدم الأمل بين الفلسطينيين، مما خلق أرضيّة خصبة لما حصل اليوم، ناهيك عن الدوافع السياسيّة الداخليّة والاقليميّة في ظلّ الاحتقان الاقليمي والاشتعال الحاصل على أكثر من ضفّة.

وعلى الرغم من أن إسرائيل غالبًا ما تكون المعتدي في الصراع، قد يكون تصاعد هجمات الصواريخ من قبل حماس له عدّة احتسابات استراتيجية. أولاً، تعتبرها عرض قوة ومقاومة ضد القمع الإسرائيلي، مما يجمع دعمًا من الفلسطينيين والعالم العربي بشكل أوسع، مع التمدّد الاسرائيلي عربيًّا باتجاه التطبيع مع منطقة الخليج العربي، في ظلّ مخاوف أن يكون هذا التطبيع على حساب الفلسطينيين في فلسطين والشتات. وثانيًا، من خلال استهداف مدن إسرائيلية، تهدف حماس إلى إظهار قدرتها على الضرب العميق داخل الأراضي الإسرائيليّة، متحديةً الصورة السائدة لاستدامة إسرائيل، ومغيّرة قواعد اللعبة.

علاوة على ذلك، قد يكون خلف تحرّك حماس العسكري هو سعي حماس إلى فرملة الجنوح العربي للتطبيع وابقاء قضية الشعب الفلسطيني مفتوحة عربيًّا ودليًا، لجذب انتباه وتعاطف المجتمعين العربي والدولي. اضافة الى أنّ هجمات الصواريخ ستشدّ عصب العالم من جديد للتركيز على معاناة الفلسطينيين المستمرة وعلى ضرورة الخروج بحلول سياسيّة. في هذا السياق، يعتبر توقيت الهجمات أمرًا حاسمًا، حيث يتزامن مع أحداث وتطورات مهمّة في المنطقة يمكن أن تجذب الاهتمام العالمي، الّذي انصبّ مؤخّرًا على الحرب الروسيّة الأوكرانيّة على ما عداه من المناطق الساخنة حول العالم ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط.

في هذا السياق، وعلى الرغم من أن إسرائيل اتّخذت غالبًا المبادرة بشن العمليات العسكرية، إلا أن أفعالها كانت تستند إلى مزاعمها بأنها يجب أن تحمي مواطنيها من هجمات الصواريخ وتهديدات أمنيّة أخرى، عبر إحكامها الحصار على قطاع غزة، وهي تتّهم الحركة بالمسؤوليّة عن أيّ هجمات حتّى ولو هي قامت بها بحجّة تهدف إلى تعطيل قدرات حماس وضمان سلامة سكانها حسب تعبيرها.

ومع ذلك، يجادل النقاد بأن استخدام إسرائيل للقوة بشكل مفرط وارتفاع عدد الضحايا المدنيين يضعفان مزاعمها بالدفاع عن النفس، لأنّه غالبًا ما تكون الأضرار الكبيرة على الجانب الفلسطيني التي تلحق بالأرواح البريئة تزيد فقط من التوتّرات وتعيد دورة جديدة من العنف، مما يجعل تحقيق السلام الدائم أكثر صعوبة.

الى ذلك، إنّ ما يحصل اليوم سيخلق معايير جديدة في السياسة وسيضع ملفّ الحلّ الدائم للصراع الفلسطيني الاسرائيلي على الطاولة من جديد في أي اجتماعات ستحصل في المستقبل القريب او البعيد، إذ من الضروري معالجة القضايا الأساسيّة التي تسهم في دورة العنف. بما في ذلك معالجة الأسباب الجذرية ليأس الفلسطينيين، كالحصار وتوسيع المستوطنات وانتهاكات حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، يجب تكثيف الجهود الدبلوماسية لتعزيز الحوار والتفاوض بين جميع الأطراف.

علاوة على ذلك، يقع على عاتق المجتمع الدولي الدور الحيوي في التوسط ودعم التسوية السلميّة. من خلال ممارسة الضغوط الدبلوماسيّة وتقديم المساعدات الإنسانيّة، لتخفيف معاناة المدنيين الأبرياء وتسهيل الطريق نحو سلام عادل ودائم.

في الخلاصة انّ المواجهات الجارية بين إسرائيل وحماس تسلط الضوء على طبيعة معقّدة للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وتدفع هجمات الصواريخ "الحماسيّة" بحسابات استراتيجيّة تهدف إلى تحدّي الهيمنة الإسرائيليّة واستقطاب الاهتمام الدولي.