هيَ النُبؤاتُ المُعِدَّةُ لِمَجيءِ المَسيحِ، رَفَعَتهُ لبنانُ دَيَّاناً. فَما هوَ خاوِيَ الكَفَّينِ لِيَنامَ عَلى عَصفِ الرِياحِ التي مِن صُنعِ عاتِينَ، بالظُلمِ يَحكُمونَ وَبِعَوَزِ الجَرائِمَ نَهِمونَ لإرتِكابِ المَعاصيَ بِحَقِّ أبرِياءَ مِن شُعوبٍ وَأمصارٍ، وَتالِياً بِحَقِّ أنفُسِهِمِ. كَمَن يَتَلَذَّذُ بِحُكمِ الأفعى، فإذا بِها تَلدَغُهُ في جُحرِ جُحرِهِ. والأسوارُ لا تَحميهِ مِن فَظاعَةِ إثمِهِ وَلا كَيانَهُ اللاكَيانَ. هوَ جَمٌّ يَتَشَوَّهُ بِذاتِهِ.

أهوَ الشَرُّ يَنحَدِرُ بِمُرتَكِبِهِ الى أسفَلَ الأسفَلِ، حَيثُ الضَحِيَّةُ تَثبُتُ، تُحاكِمُ؟ وَمَن يُدينُ؟

لبنانُ، واقِفٌ عَلى بابِ العَدالَةِ لا لِيَلعَنَ المُذنِبَ بِمِقياسِ الضَحِيَّةِ، بَل أبعَدَ أبعَدَ. ليُنهِضَ الضَحِيَّةَ بِمِقياسِ النورِ الكاسِرِ نيرَ الظُلمِ، المُحَطِّمَ أغلالَ الإستِعبادِ، الناقِضَ إبراماتِ الإبادَةِ.

لا إلَّا لبنانَ مَن لا يَتَذَلَّلُ لِطاغِيَةٍ، وَلا يُمَجِّدُ ناحِرَهُ. هوَ السِرجُ إذ الإنسانِيَّةُ أُرهِقَت بالنيرِ، والقَلعَةُ إذ بَشَرِيَّتُها اُزهِقَت بالنَزفِ.

هوَذا أشِعيا، ذاكَ السابِقُ الأكبَرُ، الشاعِرُ والسِياسِيُّ، نَبِيُّ المَسيحِ، المُسَمَّى الإنجِيليُّ الخامِسُ، يُثَبِّتُها: "ها إنَّ الظُلمَةَ تُغَطِّي الأرضَ والغَمامُ المُظلِمُ يَشمُلُ الشُعوبَ، وَلَكن عَلَيكِ يُشرِقُ الرَبُّ وَعَلَيكِ يَتَراءَى مَجَدُهُ. فَتَسيرُ الأُمَمُ في نورِكِ والمُلوكُ في ضِياءِ إشراقِكِ. (...). مَجدُ لبنانَ يأتي إلَيكِ، السَروُ والسِندِيانُ والبَقسُ جَميعاً لِزينَةِ مَكانِ قُدسي وَأُمَجِّدُ مَوطِئَ قدَمَيَّ. وَبَنو الَذينَ عَذَّبوكِ يأتونَ إلَيكِ مُنحَنينَ وَيَسجُدُ لِأخامِصَ قَدَمَيكِ مَن إستَهانَ بِكِ وَيَدعونَكِ مَدينَةَ الرَبِّ (...). وَبَدَلاً مِن أن تَكونيَ مَهجورَةً مَكروهَةً لا يَمُرُّ بِكِ أحَدٌ، سَأجعَلُكِ فَخرَ الدُهورِ وَسورَ جيلٍ فَجيلٍ. (...). لا يُسمَعُ مِن بَعدُ بالعُنفِ في أرضِكِ وَلا بالدَمارِ وَلا التَحطِيمَ في أرضِكِ بَل تَدعِينَ أسوارَكِ خَلاصَاً وَأبوابَكِ تَسبيحاً. (...). لا تَغرُبُ شَمسُكِ مِن بَعدُ، وَقَمَرُك لا يَنقُصُ لِأَنَّ الرَبَّ يَكونُ لَكِ نوراً أبَدِيَّاً، وَأيَّامُ مَناحَتَكِ قَد إنقَضَت." (أشِعيا 60/ 2-20).

لا إلَّا لبنانً-المِقياسُ. "مَجدُ لبنانَ"! هوَ إباءُ الإيمانِ-الحُرِيَّةِ، المُنتَصِرُ على جَبرَؤوتِ الطُغيانِ المُتَلَذِّذِ بإيقاعاتِهِ. أهُوَ الحاجَةُ الإلَهِيَّةُ التي تُحَقِّقُّ بالأُلوهَةِ "مَدينَةِ الرَبِّ" الأرضِيَّةِ وَمِن خِلالِها؟ بَل هوَ مُكَوِّنُها. في العُمقِ المُجدِي. بَل هوَ تَحقيقُها في ذاتِهِ. فَفِي سُكناهُ لا تَعرِيَةُ المُجرِمِ فَحَسبَ، بَل تَوكِيدُ حَقيقَتَهِ في القُدرَةِ وَخارِجَ حُدودِ فَيضِها. لا يُجَزَّأُ وَلا يُحَدُّ. لا يُقصى. بَل مَدعاةُ التَماثُلِ بِهِ هوَ. مِن دونِهِ، كُلٌّ مُدين لِنَفسِهِ بِذاتِهِ. في لَوعَةِ إستِنزافِهِ... وَفي إتِّحادِهِ بِلُصوصِيَّةِ ظالِمِهِ.

لا إلَّا لبنانَ، فَيضُ الدَينونَةِ بالخَلاصِ، حينَ الشَرُّ يُرَنِّحُ الخَيرَ، والظُلمُ يَهذي باليَقظَةِ... وَحينَ مُرتَكِبُهُما، مَن بَينَهُ وَبَينَ الأُلوهَةِ والإنسانِيَّةِ عَدَاوَةٌ، يُصادِرُ لِذاتِهِ ما لِلبنانَ وَبِهِ وَفيهِ... والُلبنانِيُّونَ راقِدونَ في هَجعَةِ الإغفالِ عَن ذُرى جَذرِهِمِ.

كَفافُ التَحقيقِ

كَفَافُ لبنانَ، أنَّهُ المُطلَقُ، بِمُدُنِهِ، في الدَينونَةِ، في اليَومِ الأَخيرِ. أنَّهُ كَفافُ التَحقيقِ في المَسيحِ وَبِهِ. وَهوَ الشاهِدُ لَهُ: "الوَيلُ لَكِ يا كورَزينُ! الوَيلُ لَكِ يا بَيتَ صَيدا! فَلوَ جَرى في صورَ وَصَيدا ما جَرى فيكُما مِنَ المُعجِزاتِ، لَتابَتا تَوبَةً بالمِسحِ والرَمادِ مِن زَمَنٍ بَعيدٍ. عَلى أنِّي أقولُ لَكُمُ: إنَّ صورَ وَصَيدا سَيَكونُ مَصيرُهُما يَومَ الدَينونَةِ أخَفَّ وَطأَةً مِن مَصيرُكُما" (متَّى 11/21-22).

في هَذِهِ الوِحدَةِ، الَتي مُنذُ البَدءِ، بَينَ لبنانَ-الكَفافِ وَلبنانَ-الدَينونَةِ، الظُلمُ-العالَمُ يَتَوَثَّبُ بَينَ اللهِ والعَدَمِ.

رِسالَةُ لبنانَ أن يَبسُطُ يَمينُهُ لِيَقتَحِمَ العالَمَ-الزَمانَ فَيُبصِرَ العُميانُ، وَيَقوى الأبرارُ، وَيَقومَ الشُهَداءُ.