بنى رئيس الوزراء ال​اسرائيل​ي الحالي ​بنيامين نتانياهو​ صورته وحضوره السياسي على خلفيّته العسكريّة، ولطالما كان يمثّل للاسرائيليين الرجل العسكري القادر على حمايتهم والقادر على اتخاذ القرار الحاسم باللجوء الى الحروب والضربات القويّة لتحقيق هذه الغاية، وهذا ما كان يرفع اسهمه عند كل استحقاق. ولا يمكن لاحد ان ينسى سهولة لجوئه نتنيهو الى اشعال فتيل المعارك لانقاذ نفسه من وضع حرج، او لوضع حدّ لمحاولات ​الفلسطينيين​ الحصول على متنفّس للتخفيف من قيود العبوديّة الموضوعة عليهم من قبل الاسرائيليين.

اليوم، وبعد عملية السابع من تشرين الاول، كان نتانياهو يترنّح سياسياً وها هو يسقط بالضربة القاضية، ولكن الاهم من ذلك هو انه انقلب على صورته بنفسه، وبات وكأنّه يحذر الاسرائيليين من انّه اذا ما قرروا التخلي عنه، فسيكون البديل حرباً شاملة في المنطقة. لن يصدق احد انه على حق، لان مثل هذا القرار لا يتخذ حتى على المستوى الاسرائيلي او حتى اللبناني بدليل قدرة الاميركيين والايرانيين على ابقاء الامور تحت سقف معيّن، وعدم تدهورها الى حدّ الفلتان الشامل. والمتوقع ان يحصل، في حال انقلب الاسرائيليون على نتانياهو سريعاً، هو ملء الفراغ من قبل المعارضة، ولن يكون من المرجّح مثلاً وصول ​افيغدور ليبرمان​ الى السلطة، فيما لا يزال زعيم المعارضة ​يائير لابيد​ والمعارض الآخر ​بيني غانتس​ يحظيان بتعاطف كبير من الاسرائيليين، خصوصاً وانهما لم يقبلا انقاذ نتانياهو ورفضا الانضمام الى حكومة الطوارئ التي شكّلها (على غرار لييبرمان) وهما اكثر ثباتاً وقبولاً من نتنياهو وليبرمان المتشدد.

المطلوب اليوم ايجاد مخرج لاسرائيل لانقاذ ماء الوجه، من دون الدخول في حرب شاملة، وهذا ما تنصبّ عليه الجهود الدبلوماسيّة الاميركيّة والغربيّة، وما تعمل عليه قطر بفضل علاقاتها الطيبة مع الايرانيين والاميركيين على حد سواء. ومن الواضح ان اطالة امد هذه الازمة يبقي رئيس الوزراء الاسرائيلي على قيد الحياة سياسياً بعد قرار انهاء وجوده في الحياة العامة مع وقف التنفيذ لاعتبارات باتت "وجوديّة"، وغنيّ عن القول ايضاً انه، وفق ما تم اختباره في مختلف انحاء العالم، كلما استغرقت المعارك وقتاً اطول، قلّت نسبة اندلاع الحرب اذ تتكتل الاسباب الضاغطة لايجاد الحلول ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عدم تقبّل الرأي العالم العالمي مشاهد القتل والدمار وخصوصاً للمدنيين من اطفال ونساء، تنامي مخاطر زعزعة الاستقرار الامني في دول العالم وبالاخص منها الغربيّة، التسبّب بمشاكل اقتصاديّة وماليّة ضخمة ستعاني منها شعوب العالم اجمع... لذلك، تبدو تهديدات نتانياهو فارغة وغير قابلة للتطبيق، غير انّ البعض يتخوّف من اعتماده سياسة "عليّ وعلى اعدائي" حين يرى انّ ظهره بات الى الحائط وانّ "النار من امامه والعدو من خلفه" فما الذي يمنع ان يقفز الى المجهول؟ في الحقيقة، غفل اصحاب هذه النظرية عن امر بالغ الاهمية، وهو ان مفتاح اتخاذ مثل هذه الخطوة تملكه واشنطن، فمن الّذي سيموّل ومن الذي سيدعم لوجستياً وعسكرياً، ومن الذي سيشكل مظلة دبلوماسية وسياسية؟ هذا هو الرادع لدى كل من يقبع في السلطة في ايّ بلد في العالم، أكان في دولة مصنفة "عظمى" او "من العالم الثالث"، ولا تزال تجربة ادولف هتلر حاضرة في الاذهان حين تفلّت من كل قيد واتخذ قراراته بنفسه متحدياً الجميع نجح لفترة قبل ان تنتهي حقبته الى غير رجعة.

لا شك ان نتانياهو بات من الماضي بالنسبة الى الاسرائيليين، وانه حالياً يعيش على "مصل غزّة وحماس"، بحيث انّه فور الانتهاء من هذه المسألة، سيجد نفسه في مكان لم يعتد عليه سابقاً، ويبقى امله فقط في موضوع تشتيت الفلسطينيين عبر طردهم عنوة الى الدول المجاورة، فهل ينجح؟!.