شهرٌ تقريبًا مرَّ على المعارك الدائرة في غزّة، والعالم يتفرّج! لا يستطيع أي إنسان على وجه الكرة الأرضية، يملك ذرّة ضمير، إلا التعاطف والتضامن مع أهل غزّة، الذين يسقطون كبارًا وصغارًا على يد السفّاحين، في عملية إبادة جماعية، ووضع كل الاعتبارات الخاصة جانبًا.

ربّ سائل: ما هذا الصمتٌ المطبق الذي يمارسه العالم، في وجه الإجرام الذي يطال أهل غزّة خصوصًا والفلسطينيين عمومًا؟ مجازر يرتكبها جزّارو القرن ٢١ دون تردّد وعن سابق تصوّر وتصميم! ما هذا الإجرام الذي ترتكبه إسرائيل؟ إنها فعلًا إبادة جماعية بكل ما للكلمة من معنى! سقوط عدد كبير من الأبرياء دون تمييز ودون استثناء. أطفالٌ عزّل، أراد هيرودس هذا العصر، أن يسفك دمهم خوفًا على مملكته.

هيرودس كان مريض النفس، كان وحشًا. وحكّام اسرائيل اليوم يتقمّصون هذا الوحش، فيأتي سفكهم لدماء الأطفال خوفًا على ملكهم ومملكتهم، ليبقوا أسيادًا على العالم.

في هذا الجو الموبوء، المشحون، الحافل بالمؤامرات والمكائد العالميّة، والانحطاط الاخلاقي، التي يبتكرها الصهاينة، تلجأ اسرائيل إلى التصفية الجسدية. فأخذوا أولّا بفتك الأطفال والرضّع. انتظَرت اسرائيل خطوة حماس بفارغ الصبر، كذريعة لارتكاب مجازرها الوحشية جماعيًا، والتي بالأساس لم تتوقف يومًا. هكذا كما انتظر هيرودس عودة المجوس، الذين سخروا منه وخدعوه، فاشتدّ غضبه وقتل كلّ صبيان بيت لحم ما دون السنتين.

حكّام اسرائيل اليوم، يقتلون كلّ أهل غزّة كبارًا وصغارًا، ساخرين من العالم بأسره، ولا سيّما العالم العربي، الذي يكتفي بالبكاء والنحيب، ومكتفين بالإستنكارات الإعلامية!.

أمام هذا الاجرام، نسألك يا رب: إلى متى سيبقى هذا الظلم؟ ارفع يا رب هذا الغضب عن الأبرياء، في غزّة وفي العالم أجمع. كفانا موتًا، كفانا دماءً، كفانا ذلًا، وظلمُا، وحزنًا، وألمًا. استمع إلى صلاتنا، أعطنا سلامك، أشفق الّلهم على ميراثك، وافتقدنا بعظيم رحمتك، فإنك لسميع ومستجيب.

إن الأشرار الذين يبيدون شعب غزّة، هم شياطين هذا العصر، وكل مَن يتبعهم من البشر ويناصرهم هو نظيرهم. أنانيون يفكّرون فقط في أنفسهم، ويظلمون الآخرين، ولكنهم يتّحدون فقط في الشر، فيجتمعون لمقاتلة الأبرار وظلمهم، لكنّ قوة الله، في النهاية، قادرة أن تنقذ الأبرار، حتى لو اجتمع عليهم جميع الشياطين ورؤساء هذا الدهر الفاني.

كم من مرّة ردّدت، في هذه المحنة، مع فيروز والأخوين رحباني: "زغيري وما بتعرف بحرب الكبار، كانت عم تلعب أخدها النسر وطار، بحرب الكبار شو ذنب الطفولة؟ بحرب الكبار شو ذنب الضحكات الخجولة؟ قولي لي يا زغيرة وين رحت، يا لفتة نحيلة، يا دمعة بخيلة قولي لي".

فعلًا، "بحرب الكبار شو ذنب الطفولة"، الذين يتساقطون كحبة القمح، في أرض وطأتها قدمي السيد المسيح، وكوكبة من الأنبياء. ها قايين قد استفاق مجددًا ليسفك بدم هابيل. قايين كان عاملاً في الارض. كان "يفلح" والأرض "تفتح" فمها لتتلقى البذار. الآن "تفتح" فمها لتتلقى دم أهالي غزّة. صوت هدر دمهم يصرخ في وجه قايين، ولعنة الله ستنزل على الذين دمّروا أرض غزّة، وقتلوا أهلها الأبرياء، لتتّحد بدماء شعبها. قايين يسعى لبناء وضمان دولته "اسرائيل"، أما شهداء غزّة فلم يبنوا شيئًا، لأنّ مدينتهم فوق.

إن قسوة القلب تجعل الإنسان لا يشعر بمن حوله، فيسيء إليهم وهو منهمك في تحقيق أغراضه، وبات واضحًا أن غرض اسرائيل يكمن في التطهير العرقي ليبقوا هم "شعب الله المختار"، والله براء منهم ومن أفعالهم وجرائمهم.

مع فيروز نردد ونقول: "روما يا وحش الحضارة اللي ما بيشبع"، وإسرائيل لم تشبع لتاريخه من شرب دم الأبرياء، ولكن "بترا مش رح تركع" والقضية لن تموت، والله قادر على كل شيء. على رجاء ان يردد، يومًا ما، الفلسطينيون، في كنيسة القيامة وفي الأقصى، وبإذن الله: "انتو الحرب، العدد القوة نهر العســــكر نبع الخيل، نحنا الحق ودمع الناس وأمل الناس، والحرية وغناني الأجيال وضحكات الأطفال".

لم يبق لنا إلّا رفع الدعاء لله القدير، أن يستمطر مراحمه الغنية، على أهل غزّة، وعلينا جميعًا، وأن يبعد شبح الحرب الشاملة عن لبنان، ويحمي أهلنا في الجنوب. راجيًا من الله ألا ندفع، في وطننا، أثمانًا غالية نتيجة الحرب على غزّة، كما دفعنا سابقًا، وما زلنا، إلى الرب نطلب، آمين.