من خارج سياق الأحداث التي تشغل بال اللبنانيين، في المرحلة الراهنة، لا سيما مع تصاعد التوترات على الجبهة الجنوبية، ربطاً بالتطورات القائمة في قطاع غزة، أعلن المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان أنه سيعود قريباً إلى لبنان، الأمر الذي دفع بالعديد من الأوساط السياسية إلى السؤال عما إذا كان لديه ما يقدمه اليوم، لإنجاز الإستحقاق الرئاسي.

قبل بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان المبعوث الرئاسي الفرنسي قد وصل إلى قناعة، أعلن عنها بشكل علني، مفادها ضرورة الذهاب إلى الخيار الثالث، من خارج دائرة المرشحين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، في حين كان الجانب القطري يتحرك بشكل أكبر، بحثاً عن الحلول التي من الممكن الوصول إليها.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن الجميع بات يدرك أن الملف اللبناني بات مرتبطاً بالأوضاع في قطاع غزة، خصوصاً أن ما يحصل على الجبهة الجنوبية مرتبطة بما يحصل هناك، وهو ما كان أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله قد كرسه، في خطابه الأول بعد عملية "طوفان الأقصى"، عندما أشار إلى أن المسألة مرتبطة بالتطورات الغزاوية وبالسلوك الإسرائيلي تجاه لبنان.

وتلفت المصادر نفسها إلى أنه في ظل الأوضاع الحالية، حيث تغيب فرص الذهاب إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، ما أدى إلى حصر النقاش بالحديث عن هدن إنسانية لأيام قليلة، فإن المرجح هو بقاء الأوضاع في جنوب لبنان على ما هي عليه، ما يعني صعوبة البحث في الملف الرئاسي بشكل جدي، خصوصاً أن الأفرقاء المحليين ليسوا في وارد الذهاب إلى تقديم تنازلات.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما يحصل على مستوى ملف الشغور المحتمل في قيادة المؤسسة العسكرية، مع إقتراب موعد نهاية ولاية العماد جوزاف عون في 10 كانون الثاني المقبل، يؤكد هذا التوجه، أي صعوبة الوصول إلى أي تفاهمات محلية في المرحلة الراهنة، وبالتالي زيارة لودريان لن تقود إلى أي نتيجة جدية، إلا إذا كان المقصود بعودته قريباً هو إنتظار نضوج ظروف أفضل، من غير المرجح أن تتوفر قبل وضوح الصورة التي ستكون عليها المنطقة، بعد إنتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة.

بالتزامن مع هذه الأجواء المرتبطة بالأوضاع العسكرية، سواء كان ذلك في الجبهة اللبنانية أو في قطاع غزة، تلفت المصادر المتابعة إلى وجود الكثير من علامات الإستفهام التي تطرح حول قدرة باريس على إنضاج تسوية محلية، لا سيما بعد أن أبدت، لا سيما في الأيام الأولى من العدوان على غزة، إنحيازاً كبيراً لصالح تل أبيب، وصل إلى حد مطالبة الرئيس إيمانويل ماكرون بتشكيل تحالف دولي لمحاربة "حماس"، وتؤكد أن هذا الأمر لا يمكن أن يمر من دون تداعيات على دورها في لبنان.

هنا تعود المصادر نفسها إلى الوقائع التي سبقت "طوفان الأقصى"، حيث تشير إلى أن الرهان كان على الدور القطري، على إعتبار أن الدوحة تملك قدرة أكبر على رعاية تسوية في لبنان، لكن الظروف التي تلت دخولها الجدي على خط المباحثات لم تساعد، نظراً إلى أنها باتت منشغلة بشكل كامل في الملف الفلسطيني، حيث لعبت دوراً أساسياً في الوصول إلى إتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة "حماس"، لكنها ترى أن هذا الدور قد يساعدها، في المستقبل، على إنضاج تسوية في لبنان.

في المحصلة، تشدد هذه المصادر على أن المسؤولية الرئيسية تبقى على عاتق الأفرقاء اللبنانيين، لكنها تعرب عن أسفها لأنهم لم يكونوا على قدر المسؤولية التي تؤهلهم على تفادي المزيد من الأزمات، وتضيف: "قبل الوصول إلى تسوية في غزة لا يمكن الحديث عن أخرى في لبنان، لكن من الممكن البحث في هدن محلية تقود إلى معالجة بعض الملفات".