في ظلّ الزّيارة المرتقبة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت، أشارت مصادر دبلوماسية في باريس عبر صحيفة "الجمهورية"، إلى أنّ "فرنسا على تشاور دائم مع اصدقاء لبنان الذين تتشارك معهم النظرة القلقة الى وضعه، وضرورة مساعدته في تخطّي أزماته"، لافتةً الى أنّ "زيارة لودريان الى بيروت كان مقرّراً القيام بها بعد فترة قصيرة من زيارته الاخيرة، اي بين اواخر ايلول ومطلع تشرين الاول الماضيين، الّا انّ البرنامج تعدّل جراء أحداث 7 تشرين الاول في غزة".
وأوضحت أنّ "زيارة لودريان في جوهرها تأتي في سياق محاولة لإحياء فرصة، يرى قصر الايليزيه وجوب ان يتلقفها اللبنانيون في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ فيها منطقة الشرق الاوسط، والتشارك في وضع الحصان امام العربة، اي انتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، فالوقت بات ضيّقاً جداً وحرجاً؛ ونفاده يُخشى أن يؤدي إلى مصاعب كثيرة وعواقب غير محسوبة".
وعمّا اذا كان لودريان آتياً الى بيروت مسلّحاً بأفكار جديدة، أو طروحات فيها شيء من الإلزام للمكونات السياسية في لبنان، أكّدت المصادر أنّ "مهمّة لودريان مساعدة اللبنانيين في التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ولا احد يتحدث عن ضغوط او امور تُفرض عليهم، وما نراه ملحّاً أنّ على اللبنانيين أن يقدّروا مصلحة لبنان في هذه الظروف، خارج الحسابات السياسية التي ألحقت الضرر الكبير بالشعب اللبناني".
مهمّة صعبة
في السّياق، رأى مصدر سياسي مسؤول، في تصريح إلى "الجمهورية"، أنّ "زيارة لودريان، سواء أكان يحمل افكاراً جديدة او أفكاراً قديمة، هي زيارة جيدة ومشكورة لا بل مطلوبة، حيث آمل أن تساهم في إنزال الملف الرئاسي عن الرف وإعادة تحريكه في اتجاه التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية".
وعمّا اذا كانت الزيارة تزاحم الحراك القطري في ما خصّ الملف الرئاسي، أفاد بـ"أنّني لا املك ما يؤكّد وجود مزاحمة او ما شابه ذلك، فلننتظر ما سيطرحه من افكار، وفي ضوئها يُبنى على الشيء مقتضاه. لقد سمعنا في الاعلام عن انّ لودريان التقى القطريين وكذلك السعوديين، فضلاً عن أنّ الموفد القطري في حراكه الاخير في بيروت، الذي استمر حتى يوم الجمعة من الاسبوع الماضي، كان يتحّرك في سياق مبادرة قطرية وافكار قطرية والأجواء كانت مقبولة".
من جهتها، شدّدت مصادر مواكبة للحراكات الخارجية تجاه لبنان، عبر "الجمهورية"، على أنّ "مهمّة الموفد القطري في لبنان اعترتها صعوبات كثيرة، حالت دون تمكّنه من جذب الأفرقاء الى التفاهم على خيار رئاسي، وكذلك الامر بالنسبة الى مهمّة لودريان التي يمكن القول قبل وصوله انّها ايضاً صعبة جداً".
وذكرت أنّ "السبب شديد الوضوح، حيث أنّ الداخل اللبناني جامد امام جدار التعطيل، فلا توجد اي اشارة داخلية من اي جهة معنية برئاسة الجمهورية، تؤشر إلى تبدّل في المواقف من الإستحقاق الرئاسي أو إلى تراجع عن الشّروط المتصادمة، أو إلى الاستعداد للجلوس على الطاولة وبحث الخيارات الرئاسيّة".
وأضافت المصادر: "إن كانت زيارة لودريان محصورة بتكرار طروحاته السابقة في ما خصّ دعوة اللبنانيين الى الحوار، وقوله انّ رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد ازعور لم يبلغا عتبة الفوز برئاسة الجمهورية في الجلسة الاخيرة التي عقدها مجلس النواب، وانّ الأسلم هو البحث عن خيار ثالث، فالجواب واضح حول ذلك، سبق وحمله في زيارته الاخيرة في ايلول الماضي حيث غادر بيروت خالي الوفاض".
وأشارت إلى أنّ "بمعزل عمّا اذا كانت الزيارة منسّقة مع القطريين اوغيرهم، فإنّ أكثر ما يصعّب مهمّة لودريان في هذه الفترة، أمران: الأول هو رهان بعض المكونات السياسية على انّ التطورات الميدانية والعسكرية في المنطقة قد تخلق توازنات ومعادلات جديدة ستلفح لبنان حتماً، وتشكّل حافزاً للبعض لأن يستثمر عليها و"تقريشها" بما يحقّق مكاسب سياسية لفريقه السياسي. أما الأمر الثاني فهو أنّ فئة من اللبنانيين باتت تشكّك علناً بالدور الفرنسي، ولا ترى انّ فرنسا في مقدورها ان تلعب دور الوسيط النزيه والمحايد في اي استحقاق لبناني، وخصوصاً الاستحقاق الرئاسي ربطاً بموقفها الذي اتخذته بالانحياز الكامل الى جانب اسرائيل في حربها التدميرية على قطاع غزة".
تنافس فرنسي- قطري على الدور والوساطة: حزب الله أكثر تمسّكاً بمواقفه
على صعيد متّصل، أشارت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "بعض الجهات وجدت في اللحظة الحالية، فرصة لتكريس دورها على المستوى السياسي في لبنان، واستئناف وساطتها علّها تستطيع هذه المرة الظفر بحلّ تكون هي عرّابته، على المستوى الرئاسي وكل ما يرتبط به من ملفات".
وبيّنت أنّ "على هذا الأساس، أتَت زيارة الموفد القطري جاسم آل ثاني (أبو فهد) إلى بيروت، حيث أجرى جولة أفق عاد بعدها إلى الدوحة".
وذكرت مصادر سياسية بارزة لـ"الأخبار"، أنّ "زيارة الموفد القطري جاءت بعد اجتماع للجنة الخماسية الخاصة بلبنان (الولايات المتحدة، السعودية، قطر، فرنسا ومصر)، وأظهرت المداولات الجانبية على هامشها ألا اتفاقا بينها حول الملف اللبناني. ولذا فإن الحركة الدبلوماسية التي بدأها "أبو فهد"، ويستكملها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان (يصل مساء اليوم إلى بيروت أيضاً)، قائمة على التالي:
- أولاً، سعي الدوحة إلى تكريس حضورها في لبنان، استكمالاً للدور الذي قامت به في غزة بين حركة "حماس" وكيان الاحتلال، للتوصل إلى صفقة التبادل والهدنة. الدوحة التي ظلّت (في العلن) في موقع المحايد مع الحفاظ على مواقف سياسية "مُطمئنة" للجميع، تريد استثمار هذه المواقف في ساحات أخرى، في مقدّمها لبنان. وقد بدأ القطريون مباحثات مع الرياض في هذا الشأن، لاستئناف الفرصة التي أُعطيت لهم قبلَ "طوفان الأقصى"، لكن يبدو أن للسعوديين رأياً آخر.
- ثانياً، لا يزال الموقف السعودي ينطلق من قاعدة أساسية متصلّبة بعدم الانخراط في أي تسوية. والسعوديون على عكس القطريين والفرنسيين، يعتبرون أن المشهد الأساسي منصّته غزة وترجمة أحداثها على مسار الملفات التي كانت قائمة سابقاً، ولا سيما التطبيع. وتتلاقى الرياض مع واشنطن حول نقطة أساسية في لبنان وهي أن التركيز يجِب أن يُصبّ على الوضع الأمني، بداية بضبط أي تصعيد على الجبهة الجنوبية، ثم الحفاظ على وضعية المؤسسة العسكرية بالتمديد للقائد الحالي العماد جوزف عون. وتتعامل العاصمتان مع الملف اللبناني على قاعدة أن الظرف الحالي لا يسمح حالياً بتسوية رئاسية، ولا صفقة تبادل سياسية بين الجهات المتصارعة في لبنان.
- ثالثاً، فيما تقف مصر في موقع المراقب، تجد فرنسا نفسها مضطرة للتحرك بالتوازي مع الحراك القطري في منافسة غير علنية. فورَ بروز مؤشرات على الحراك القطري أرسلت باريس قبل أسبوعين رسالة مع سفيرها في بيروت هارفي ماغرو، تسأل فيها عن مدى استعداد القوى السياسية المحلية للتجاوب مع لودريان في حال زار لبنان. ورغمَ أن الجواب لم يكُن مشجّعاً، قرّرت باريس إيفاد مبعوثها بهدف صياغة تفاهمات على تسوية، ربطاً بأي تطورات إيجابية محتملة في المنطقة.
في هذا الإطار، أوضحت مصادر مطّلعة للصحيفة، أنّ "مهمة لودريان لها أكثر من هدف، الأبرز بينها تكريس فرنسا كشريك في أي تسوية لاحقة، وحماية دورها الذي بدأته بعد تفجير المرفأ في 4 آب 2020، وتكرار الدعوة إلى ضرورة التهدئة على الجبهة الجنوبية. والأهم من ذلك كله، تصحيح صورتها التي تضرّرت خلال الحرب على غزة جراء المواقف المنحازة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي كان صداها سيئاً جداً لدى القوى السياسية اللبنانية وتحديداً حزب الله".
واعتبرت أنّ "لودريان يأتي في توقيت غير صائب على الإطلاق، إذ لن يجِد أي تجاوب معه على عكس الموفد القطري. فضلاً عن أن الفريق الأساسي في المعادلة اليوم، أي "حزب الله"، ليس في وارد النقاش في الملف الرئاسي. فهو لا يزال يركّز على ما حصل وسيحصل في غزة، والرهان على إمكانية أن يكون الحزب قد بدّل موقفه في الملف الرئاسي وسيكون في موقع المفاوض على ما يريده هو رهان خاطئ، فالحزب حالياً أكثر تمسّكاً بشروطه ومطالبه. هذا ما سمعه الموفد القطري الذي غادر خالي الوفاض، وهو ما سيسمعه أيضاً لودريان".