كاد اللبنانيون ان ينسوا انهم يعيشون حياتهم من دون رئيس للجمهورية منذ اكثر من سنة، وان المحاولات الاقليمية والدولية لايجاد حلّ للفراغ الرئاسي وجمود الدولة لا تزال قائمة، فقد تكفلت الحرب الدائرة في غزة بالقضاء على كل الافكار والاهتمامات المتعلقة بهذا الملف وباتت التطورات في فلسطين وعلى الحدود الجنوبية هي الشغل الشاغل للجميع، حتى ان اسم الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان المكلف بمتابعة الملف الرئاسي اللبناني، كان دخل دهاليز النسيان.

اليوم، عاد هذا الاسم الى الظهور مجدداً، وها هي بيروت تستقبله من جديد، انما هذه المرة يعود بنفس جديد، وهو متسلح بتطورات الحرب في غزّة لاستشراف تداعياتها على الواقع اللبناني. من المهم التأكيد ان احداً (في الداخل او الخارج) لا يراهن على ان انتخاب رئيس في لبنان سيؤدّي الى حلّ اقليمي او محلّي، ويعلم لودريان جيداً ان العوائق اللبنانية لا تعدّ ولا تحصى، لانه مع انتخاب رئيس ستبرز مشاكل رئيس الحكومة والوزراء، وسيتبعها مشاكل التعيينات الامنية، وتليها مشاكل التعيينات بشكل عام والازمات الاقتصادية والمالية والمعيشية... انها حلقة فارغة لا نهاية لها، ولكن لماذا تمت اعادة الحياة الى هذا الملف في هذا الوقت بالذات؟.

وفق ما تقوله مصادر مطلعة، فإن ما حصل هو انّ حرب غزة اعادت الحياة الى حلّ الدولتين، ونجحت للمرة الاولى في اعادة النظر الغربي في التعاطي مع اسرائيل ومسؤوليها بعد الرقم الهائل للخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين ومعظمهم من الاطفال والنساء، حتى انّ بعض اليهود في العالم اصبحوا من اكثر المتحمسين للتوصل الى وقف اطلاق النار. ومع بروز هذا التوجّه، تضيف المصادر، كان لا بد من انتهاز الفرصة لتقريب وجهات النظر الدوليّة والاقليميّة حيال لبنان، والمساعدة على اعادة عجلته المؤسساتيّة الى الدوران، لانه في حال نجحت المساعي التي تبذل في شأن تحويل الهدنة الى وقف لاطلاق النار، فإنّ المسار الدبلوماسي والتفاوضي سيكون هو الابرز وستتراجع نسبة الحرب شيئاً فشيئاً، وعندها يجب ان يكون البلد على الطاولة بشكل رسمي وجدي، ولو ان وجوده سيكون شكلياً لناحية انه لن يقدم او يؤخر (كما بعض الدول) في اي تسوية سيتم الاتفاق عليها مسبقاً بين الدول المعنيّة، غير ان هذا الوجود سيكون مهماً لانه يضفي طابعاً شرعياً ويلزم هذا البلد بما ستتوافق عليه الدول.

وتوضح المصادر ان لا معلومات لديها حول ما يتردد عن امكان اعادة طرح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية كمرشّح يحظى بتأييد خارجي لانهاء الازمة، وتشدد في المقابل على ان اياً كان اسم الرئيس فالمكسب سيكون معنوياً فقط للاطراف الداخليّة لانه سيسير على الطريق الموضوعة، وستكون مواقفه الدوليّة من دون ايّ قيمة، فيما سيكون التركيز والمشاكسات على المواقف الداخليّة فقط في قضايا شكليّة كالتعيينات وبعض التدابير المتخذة على مستويات بسيطة من الاهميّة. وتسأل المصادر: هل من يصدق بالفعل ان ايّ رئيس لبناني جديد سيؤثّر على التطورات والاحداث في المنطقة؟ او انه سيعزز وضع لبنان في السيناريو الموضوع مسبقاً؟.

لذلك، ترى المصادر ان زيارة لودريان هي بمثابة تحفيز اكبر، والايحاء بأنّ كلمة السر الخارجيّة قد وصلت، وانها متكاملة مع الجهود القطريّة، في ظلّ الاهمية الكبيرة التي اكتسبتها الدوحة(ولا تزال) في التطورات التي تشهدها المنطقة اذ فرضت نفسها على الساحة وليس من السهل ان يذكر الرئيس الاميركي جو بايدن امير قطر اكثر من ثلاث مرات في غضون ايام قليلة لشكره على جهوده في قضية الهدنة وتبادل الاسرى. وعليه، لن تحمل زيارة لودريان الحلّ ولكنها قد تكون الخطوة الاولى الجدّية على طريق الحل.