يَنبُذُ الُلبنانِيُّونَ الذاكِرَةَ، وَهيَ صُنوّ الضَميرِ الذي مَتى غابَ، يُباعُ العَرضُ. عُهرُ الُلبنانيِيِّنَ يوازي بِهَذا عُهرَ حُكَّامِهِمِ.

كَلاهُما يَغتَرِبانِ عَنِ الفَوقِ: عَن فَيضِ بَراعَةِ اليَقينِ. في الأصلِ. لا في صورَةِ الصورَةِ. وَكِلاهُما لا يُعيرانِ الحَجَّ لِلبنانَ تماساً مَعَ جَوهَرِ وجودِ لبنانَ. وَكِلاهُما يَتمادَيانِ غَرَقاً في الجَهلِ والتَجهيلِ. في طُقوسِيَّاتٍ أدنى الى الإثارَةِ، لاهِيَةً في الخُروجِ عن الذاتِ ولاغِيَةً لِليتورجيا الصَدوقِ سِرِّ القُطبِ-الهَدَفِ.

لِلمَسيحِيَّةِ مَنارَةٌ هي المَسيحُ. وَلِلإسلامِ شُعلَةٌ هو القُرآنُ. وَلِلدُرزِيَّةِ تأجُّجٌ هو الحِكمَةُ. هوَذا الثالوثُ الُلبنانِيُّ، الأُمَمِيُّ، الدافِقُ في ما يُعطيهِ لِما يَتَلَّقاهُ، المُتَجَوهِرُ مِنَ ال"أنا" الى ال"نَحنُ." بِهِ وَحدَهُ إنقاذُ اليَهودِيَّةِ مِن ذاتِها السَحيقَةِ في إنفِعالاتٍ رَمَتها على اللهِ لِلتَخَلُّصِ مِنها بإستِسهالِ الظَلامِيَّاتِ على إنبِعاثِ الضِياءِ وَدَفَقاتِهِ، وإنقاذِ الَلامُبالاتِيَّةِ الوجودِيَّةِ المُتَوَثِّبَةِ مَصيراً تائِهاً بَينَ اللاأدَرِيَّةِ والإلحادِ.

لَكِنَّ أقطابَ هَذا الثالوثِ الُلبنانِيِّ الفَريدِ إستَكانوا الى تآلُفِ الخُنوعِ، والخُروجِ مِنَ الكَينونَةِ الى الرُكونِ لِلمَناصِبَ. يَستَحدِثونَها مِن كُنهِ التَحَكُّمِ بالعُهرِ. يَتأبَّدونَ بِهِ وَبِها، وَيَتَحَصَّنونَ لَها خَلفَ جُثَثِ ضَحاياهُمُ التي، كُلَّما راكَموها مُضاعَفَةً، كُلَّما هَنِئوا.

أمِن تِلكَ الظُلُماتِ مَصيرٌ؟ فيها وَبِها، يُقتَلُ الآباءُ، وَيَستَعبِدُهُمُ بَنوهُمُ. بِها وَفيها يَظفَرُ الغالِبُ بالدَمِّ الأخُوَّةَ في رَهبَةِ الوِحشَةِ. فيها وَبِها، يأبى الوجودُ الرُنوَّ.

لا! لَيسَ لبنانُ ضَحِيَّةَ جَوهَرٍ فَقَدَهُ بِدَفعٍ مِن خارِجَ لا جَوهَرَ لَهُ. هو الموغِلُ في قَبضِ الخَلقِ وَجهاً لِوَجهٍ حَدَّ يَغدو عُثارَةَ الآخَرينَ. هو المُحِيي الطُرُقَ كَونُهُ العارِفُ كَيفَ يَكونُ الى خالِقِهِ. هو المُفتَدي كَونُهُ مِن نَشأةِ الوِحدَةِ أتى وإلَيها إرتِقاؤهُ... هو الما كانَ إلَّا الغَلَبَةَ لِذَرَّاتِ الظَلامِ.

لَيسَ هو غَفلَةُ إثمٍ، وَلا هو ذِلُّ عَثَرَةٍ، وَلا جَريرَةُ إفتِقادٍ. لَهواً رَميُ التُهَمِ على خارِجٍ، قَبلَ التَحَرُّرِ مِن قُيودِ إنحِرافاتِ الداخِلِ التي إستَدرَجَتِ كُلَّ خارِجٍ لِيَستَزيدَ مِن تَرَفِ إفتِعالِ أصنامٍ يَستَحكِمُ بِها لِيَتَحَكَّمَ في شَهَواتِ قَضائِهِ على لبنانَ، بِما وَمَن هو، لأَنَّهُ نَقيضَهُ.

عَبقَرِيَّةُ الظُلُماتِ، إن وجِدَت، تَغدو بالنُموِّ أقانيمَ مُخادَعاتِ وِفرَةٍ وَمَعِيَّةٍ، داخِلَ أسوارٍ تَعلو مِن أشلاءِ الضَحايا وأنهارِ الدِماءِ... على الهُوِيَّةِ، على الدينِ، على الطائِفِيَّةِ.

الإختياراتُ المَصيرِيَّةُ

مُجتَمِعَةً، شَكَّلَت أقانيمُ هَذِهِ الثالوثِيَّةِ نُواةَ تآمُرٍ داخِليٍّ-خارِجيٍّ للإستِئثارِ بِلبنانَ بُغيةَ دَفنِهِ بِغياهِبِها، مِن شَكيبَ أفَندي المُشَرعِنَ التَصارُعَ الطائِفِيَّ-المَذهَبِيَّ بِ"تَرتِيباتِهِ"، العام 1845، الى ما بَعَد بَعدَ هِنري كيسنجِرَ مُرَوِّجَ الليبانوفوبيا وَقِوامُها "إستِعادَةُ الُلعبَةِ" مِن لبنانَ، عَبرَ إشعالِهِ حُروباً لا تَنتَهيَ إلَّا بإردائِهِ مَكَبَّاً بَديلاً لِمَوبؤاتِ المَشرِقِ مُجتَمِعَةً.

أفي وِحدانِيَّةِ الجَرائِمَ المَوصوفَةِ لِخَرابِ لبنانَ، يُصنَعُ التاريخُ الآتيُ... وَمِن دونِ لبنانَ؟.

وَحدُهُ المؤَرِّخُ-المُستَشرِقُ البريطانِيُّ-الأميركِيُّ بِرنارد لِويس إعتَرَفَ أنَّ "لبنانَ عوقِبَ، لا بِسَبَبِ خَطاياهُ بَل مَزايَاهُ".

حَداثَةُ لبنانَ السَبَّاقَةُ أنَّهُ، في قَلبِ تَحالُفِ الظُلُماتِ، داحِرٌ لَها. وأَسبَقِيَّةُ لبنانَ الحَداثَةُ أنَّهُ، مِن قَلبِ تَحالُفِ الظُلُماتِ، كاتِبُ الإختِياراتِ المَصيرِيَّةِ. الوجودِيَّةِ والكيانِيَّةِ. الجَوهَرِيَّةِ.

مَزاياهُ؟ أحَقِيَّةُ الحُرِيَّةِ في التَعَدُّدِيَّةِ، وَمَشروعِيَّةُ التَعَدُّدِيَّةِ في الحُرِيًّةِ. هي مَزايا ال"مَعاً"، حينَ مُقامَرَةُ الظُلُماتِ في ال"ضُدِّ". في الـ"نَقضِ".

مَزاياهُ؟ "نَحنَوِيَّةٌ" هي إختِراقٌ لِلخِواءِ البَشَريِّ بِتَجَلِيَّاتِ المَصائِرَ المُشتَرَكَةِ مِن عُمقِ التاريخِ الى أعماقِ تَجاوزِهِ مَعاً.

مَزاياهُ؟ إجتِراحُ مَركَزِيَّةِ صيغَةٍ لِلحَياةِ... بِلِقاءِ العَقلِ-القَلبِ في الحَضرَةِ الإلَهِيَّةِ. بِها يؤتي لبنانُ لُبناناتٍ لِلرحابَةِ الإنَسانِيَّةِ.

الصورة المرافقة هي لأرز لبنان من «Ancient illustration by unidentified author published on Magasin Pittoresque Paris 1839»