ألبنانُ قابِلٌ لِلدَيمومَةِ؟ سُؤَالٌ مُفارَقَتُهُ لَيسَت في مَضمونِهِ، بَل في مَن طَرَحَهَ على الُلبنانِيِّينَ، يَومَ دَعاهُمُ، في العامِ 1991 الى سينودُسَ خاصٍّ مِن أجلِ وَطَنِهِمِ-الحاضِرِ-لِلمُستَقبَلِ، ألزَمَ فيهِ الكَنيسَةَ، إذ إنعَقَدَ بَعدَ 4 سَنواتِتَحضيرٍ في الكُرسِيِّ الرَسوليِّ، تِشرينَ الثانِيَ-كانونَ الأوَّلِ1995، وأتَى شَخصِيَّاً الى لبنانَ لِتوقيعِ الإرشادِ الرَسوليِّالمُنبَثِقِ عَنهُ، نَوَّارَ العامِ 1997.

القِدِّيسُ البابا يوحَنَّا-بولُسُ الثانيُ.

هو عارِفٌ أنَّ لبنانَ بِطَبيعَتَينِ: أرضِيَّة-بَشَرِيَّة وَ...سَماوِيَّة-إلَهِيَّة. أرادَ سَماعَها، إقتِناعاً، مِنَ الُلبنانِيِّينَ. أرادَ لَمسَ ذاكَ المَجدَ الآتيهِمِ مِنَ السَماءِ الى أرضِهِمِ مِن دونِسِواها يَسوقُهُمُ لِقَضِيَّةِ اللهِ-قَضِيَّةِ الإنسانِ. يَكونونَ هُمُرُعاتُها على إمتِدادِ المَسكونَةِ. يَنابيعُها الحَيَّةُ الدافِقَةُ مِن قَلبِ الإلَهِ لِعالَمٍ لاهٍ في رِعايَةِ آثامِهِ وإلفَةِ تَنابُذاتِهِوالإستِغراقِ في عُنفِهِ.

لبنانُ وَحدُهُ، لبنانُ-القَضِيَّةُ المَصلوبَةُ عَن حَيوانِيَّةِ آثامِالعالَمِ، بدءُ الرؤيَةِ وإكتِمالُها، إذ لَهو العالَم لَم يُعطِ العالَمَشَيئاً سِوى الزَوالِ.

هو، لبنانُ وَحدُهُ، يَقبَلُ حَدَثَ مَوتِهِ مِنَ العالَمِ وَعَنهُ، وَيؤمِنُمِن مَوتِهِ بِمِعنى دَفقِ الخَليقَةِ الجَديدَةِ مَنهُ. أَمُعِلِّمُ الحَياةِالمُطلَقَةِ يَكونُ لبنانُ أو لا يَكونُ؟ بَلِ المَولِدُ الذي إن حَييتَ بهِ، يَحيا فيكَ، وَتَحيا في حَقيقَتِهِ الإنسانِيَّةِ: الظُهورِ، وَحَقيقَتِهِالإلَهِيَّةِ: القيامَةِ. ألا إعتَرِف: بأُمَمِيَّتِهِ هَذِهِ، إنَّهُ عُبورُ الأُمَمِمِنَ الضَميرِ الى الحَقيقَةِ الجَديدَةِ بِهِ، لبنانُ.

هو، الذي لَم تَقوَ عَلَيهِ الآثامُ، وَلَو أردَتهُ، حاضِنٌ لإِقتِبالِاللهِ لِلإنسانِ-خَليقَتِهِ، وَلإِقتِبالِ الإنسانِ لِلهِ-خالِقِهِ. مِن قَبضَتِهِ بَهاءُ عُذرِيَّةٍ مُنقِذَةٍ مِنَ الإستِعبادِ.

لبنانُ-البَتولُ، وَحدُهُ، مِن مَولِدِهِ على الصَليبِ، خَلاصُالعالَمِ بالرِضى الإلَهِيِّ.

وَها لإِذكائِهِ مُخَلِّصاً-مُخَلَّصاً، مَسيحاً لِلعالَمِ، عَلامَةٌ:الأُمَمُ-العَمياءُ تُبصِرُ، وَالأُمَمُ-الصَمَّاءُ تَسمَعٌ، والأُمَمُ-البائِسَةُتُعَزَّى، والمُضطَهَدَةُ سَوِيَّاً تَمشي وَتُحَرَّرُ، والمَنبوذَةُالمَقهورَةُ تَغلِبُ، والشَهيدَةُ تَقومُ. وأنتَ، إن لَم تَرَهُ هَكَذا، لَن تَراهُ. لَن تَلمُسَهُ. هو لَيسَ فيكَ أمراً آخَرَ سِوى هَذا. لا لَيسَسِواهُ، مِن بَينِ أُمَمِ المَسكونَةِ، لِقاؤكَ مَعَ ذاتِيَّتِكَ، وَمَعَ اللهِ. إن فَوَّتتَ أحَدَ الِلقاءَينِ، بَعُدَ عَنكَ الثانيُ وَما غَدا قِرانَكَ مَعَالحَياةِ. إلتِصاقُكَ بِهِما مَعاً، صَيرورَتُكَ المُحَرَّرَةُ-المُحَرِّرَةُ.

مَسحَنَةُ العالَمِ

أجَل! عِندَ لبنانَ، تَجَدُّدُ العالَمِ بأزمِنَتِهِ، وَقَرارِهِ،وإلتِزامِهِ. إنَّهُ إطلالَةُ الطُموحِ. وَأيُّهُ؟ مَسحَنَةُ ما في العالَمِ، بِتَوطِئاتِهِ وإخفاقاتِهِ وَجَحيمِهِ... كَما بِمَداخِلِهِ وإنجازاتِهِوَفَضاءاتِهِ.

كَيفَ لَهُ ذَلِكَ؟

لبنانُ المألوهُ، وَمِعناهُ الذي اللهُ ساكِنُهُ، حَفيظُ عُذرِيَّةِالنِعمَةِ، هو إنتِماءُ العالَمِ الى مُلازَمَةِ قُوَّتِهِ الحَقيقِيَّةِ لا المُخادِعَةِ، لا الكاذِبَةِ، لا الدَمَّارَةِ. قُوَّتُهُ المُحيِّيَةُ. قُوَّتُهُبِنَفحَتِها وَمَداها.

لبنانُ-مَسيحُ الأُمَمِ وَمُمَسحِنُها، هو الحَيُّ المُقتَحِمُ، في مَعارِجَ السَقَطاتِ، أباطيلَ العالَمِ الغاوِيَةِ بِمَجدِ تَعزِيَتِهِالمَصيرِيَّةِ، قَيمَتُهُ المُرتَضاةُ. إنَّهُ البَداءَةُ والعَودَةُ الى الأرضِالتي مِنها تَخرُجُ الأُمَمُ بإنقِشاعاتِها وَوَمَضاتِها. إنَّهُإنسِكابُ التَراصِّ الإنسانِيِّ في كُلِيَّةٍ تَنمو وَلا تَتَناثَرُرَهقاً.

فَوقَ كُلِّ عَقلٍ، وَأَبعَدُ مِن كُلِّ عَقلٍ، تِلكَ عَناصِرُ تَكمِلَةِلبنانَ-الأُمَّوِيِّ في كَينونَةِ المَسحَنَةِ، ألما مِن قادِرٍ على تَغيِّيبِهامَهما تَراكَمَت جُهودُهُ... إذ بِتَغيِّيبِها، مَهما عَلَت نَشوَتُها، لَن يَغيبَ سِوى النازِعُ الى تَغيِّيبِ لبنانَ، لا لبنانَ مَحَجَّةَالإخلاصِ لِذاتِهِ في ذاتِهِ وَذاتِ اللهِ.

ألبنانُ قابِلٌ لِلدَيمومَةِ؟ سُؤَالٌ مُفارَقَتُهُ لَيسَت في مَضمونِهِ، بَل في جَوابِ مَن طَرَحَهُ على الُلبنانِيِّينَ: "أنا لُبنانِيٌّ، أكثَرَ مِنكُمُ!" قالَها يوحَنَّا-بولُسُ الثانيُ. حَقَّاً قالَها!.

وَ...لَم يَتَلَبنَن الُلبنانِيُّونَ.