أفادت صحيفة "الجمهورية"، بأنّ "الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، الذي حال دون صدور قرار بوقف إطلاق النار في غزة ، كان بمثابة إشارة واضحة بأنّ الإدارة الاميركية لا تزال تمنح الوقت لآلة الحرب الإسرائيلية، كي تعمل على إحداث تغييرات على أرض الواقع، والتي تتلخّص بالقضاء على التركيبة العسكرية لحركة "حماس". فالمشروع السياسي الذي سيظهر لاحقاً يعتمد على هذا المعطى كشرط أساسي".

وأشارت إلى أنّه "إذا كانت الحسابات الداخلية لها تأثيرها في صناعة القرار الأميركي، إلاّ أنّ هنالك جوانب أخرى تفوق أهمية، وتترك الهامش واسعاً لآلة الحرب الإسرائيلية. ذلك أنّ إرسال قوات اميركية ضخمة إلى الشرق الاوسط، لا يمكن مقاربته بتفسيرات مبسطة. فثمة ما هو أبعد حتّم على الإدارة الاميركية إرسال هذه الحشود والقطع البحرية الحديثة والمتطورة، وذلك بعد موافقة كافة مراكز صنع القرار الأميركي".

ولفتت الصحيفة إلى أنّها "بالتأكيد جاءت لإنقاذ اسرائيل التي عاشت خطر الإنهيار، وبالتالي لإنقاذ المهمّة التي تتولاّها اسرائيل في المنطقة، إلّا أنّ هنالك مهمّة أخرى لهذا الحشد لا بدّ من وضعها في الحسبان، وهي تتلخص بما قيل يومها: تغيير وجه الشرق الاوسط"، موضحةً أنّ "إرسال واشنطن لأحدث قوتها الحربية، هو بحدّ ذاته رسالة واضحة بأنّها مستعدة لاستخدام كامل قوتها العسكرية وليس فقط التلويح بها إذا ما حتّمت الضرورة ذلك، وكأنّها تقول أيضاً إنّ الوضع لامس المصالح الأميركية في العمق".

وركّزت على أنّ "ثمة مبدأ معروفًا ومتّبعًا على المستوى الديبلوماسي، وملخّصه بأنّ التلويح بالقوة أفعل وأجدى من استخدامها. لكن مع الحشد الضخم للقوة العسكرية الأميركية، ثمة إشارة بأنّ احتمالات استخدامها موجودة ولو أنّها ليست حتمية. ووفق أوساط دبلوماسية مطلعة، فإنّ مسار الأمور خلال الشهرين الماضيين أظهر أنّ الجميع فهم ذلك".

كما شدّدت على أنّ "هنالك فارقاً كبيراً بين الجنون والواقعية. وهو سيؤدي لاحقاً لافتراق بين البرنامج السياسي الذي تعدّه الإدارة الأميركية، والذي بات يُعرف بإعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الاوسط، وبين جنون الحكومة الإسرائيلية المرتعبة من حساب ما بعد الحرب".

وفسّرت "الجمهورية"، أنّ "هذا ما يعني أنّ الملف اللبناني سيجد مكانه في العام الجديد، كأحد ركائز إعادة رسم خارطة النفوذ في المنطقة. وخلال الاسابيع الماضية، ارتفعت الحماوة خصوصاً في البحر الأحمر، لتطال السفن التجارية، وفي جنوب لبنان، وطالت هذه الحماوة القواعد الأميركية في سوريا والعراق، إضافة لاستهداف السفارة الأميركية في بغداد".

وبيّنت أنّ "ثمة ملاحظتين سريعتين في الذي يحصل. الأولى أنّ الاستهدافات بقيت تحت خط مرسوم بدقّة متناهية، ودون مستوى الخطر أو "الأذى" الفعلي. والملاحظة الثانية، استمرار خطوط التواصل أو بالأحرى التفاوض السرّية بين واشنطن وطهران مفتوحة، لا بل انّها تعمل بنشاط وفق الأوساط المطلعة"، مشيرةً إلى أنّ "هاتين الملاحظتين تدفعان للاستنتاج بأنّ التفاوض عبر القناة العمانية، يصاحبه تخاطب "ناري" يؤدي دوره بفرض الشروط أو بتعديلها أو بلفت النظر إليها. وهنا سيأتي دور لبنان "المزنوق" بين إعادة رسم خارطة النفوذ السياسي، و"حشرة" الحكومة الإسرائيلية".

وتابعت: "لذلك باشرت الحكومة الإسرائيلية في توجيه رسائلها الى لبنان باكراً، فهي تطمح لواقع جديد في جنوب لبنان. وهي قد تكون تعتبر أنّ الخارطة السياسية الجديدة في المنطقة، سترتكز على مبدأ فك الارتباط بين اسرائيل وإيران، من خلال إزالة كل خطوط التماس بينهما".

وأكّدت الصحيفة أنّ "ما جرى ترويجه عن اختلاف في النظرة حيال الملفات اللبنانية بين واشنطن وباريس، ليس صحيحاً البتة. ففي الداخل اللبناني الكثير من "الغبار" سببه التناحر الداخلي، ولا علاقة له بحقيقة الواقع". ونقلت عن اوساط دبلوماسية، تشديدها على أنّ "التنسيق قائم بين واشنطن وباريس، وبينهما وبين بقية عواصم الدول الخمس المهتمة بالملف اللبناني".

وذكرت الأوساط أنّ "الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان تحدث بما جرى التفاهم حوله بين العواصم الخمس، وأنّ رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية برنارد إيمييه جرى تحوير كلامه في بيروت، والخلط بين ما نقله عن الاسرائيليين وبين التوجّه الدولي".

الحاجة ملحّة لإصلاح أجهزة الجمارك والضرائب اللبنانية

على صعيد منفصل، لفتت صحيفة "الشرق الأوسط"، إلى أنّ "تقريرًا دوليًا كشف عن وجود "حاجة ملحّة" لتدخل حكومي يستهدف إصلاح أجهزة الجمارك والضرائب في لبنان، وإنقاذها من الحال التي انحدرت إليها بفعل الأزمات الحاضرة، مما أفضى إلى انحدار حاد في موارد الخزينة العامة".

وأفادت بأنّ "بعثة خاصة من صندوق النقد الدولي زارت لبنان بين 25 أيلول و6 تشرين الأول، والتقت خلالها وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل ومديري الجمارك والإدارات المختصة بالضرائب، وخلصت إلى ضرورة القيام بسلسلة مبادرات عاجلة ومتدرجة من الأسهل إلى الأساسية، لإحداث التغيير المنشود مع دعم مالي وتقني تتكفل به مؤسسات اقتصادية ومالية دولية، شرط توفر الإرادة الداخلية، مبيّنة أن الوضع القائم يتسبّب في انخفاض حاد في قدرات جباية الضرائب، مع تدهور نسبة الإيرادات الضريبيّة من الناتج المحلي الإجمالي من 21 في المئة في عام 2018، إلى 6.3 في المائة في عام 2022".

وأوضحت الصحيفة أنّ "تقرير البعثة المنجَز عقب مهمة خاصة وجولة بحث واستقصاءات دامت أسبوعين، بناء لطلب رسمي من قبل وزير المال يوسف الخليل، يكتسب أهمية استثنائية لتزامنه مع استمرار مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل في سلسلة اجتماعات لجنة المال النيابية، ولا سيما لجهة ما أثارته من إشكاليات اتسمت بالحدة غالباً، وتساؤلات بشأن تدفق الإيرادات الحكومية عبر المنافذ الجمركية والضريبية".

وكشفت أنّ "التقرير سلّط الضوء على الحالة السيئة لإدارات الضرائب والجمارك في لبنان، لا سيّما على صعيد الكادر البشري، الذي يعاني من تجميد التوظيف، ومن استقالة الموظفين الحاليين الذين انخفضت قيمة رواتبهم بشكل كبير، على خلفيّة التدهور الكبير في سعر صرف العملة المحليّة".

وأوضحت أنّ "بما يخص الموارد البشريّة أيضاً، ظهر أن الوضع أكثر حرجاً في قسم تكنولوجيا المعلومات، حيث لا يوجد سوى موظّف واحد في مديريّة تكنولوجيا المعلومات في إدارة الجمارك اللبنانيّة، ولا يوجد أي موظّف في المديريات الأخرى للضرائب"، مركّزةً على أنّ "بناءً على ذلك، لفت التقرير إلى الحاجة الملحّة للإصلاح، مشيراً إلى أن كثيراً من المانحين الدوليين مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق النقد الدولي، قد أعربوا عن استعدادهم للدعم المالي شريطة توافر إرادة لإحداث التغيير".