يتسارع الحديث في الآونة الاخيرة عن التحرك المتواصل للوصول الى تسوية في غزة، تنهي الحرب القائمة ومآسيها، وتعيد غربلة خريطة المنطقة من خلال اقامة دولة فلسطينية. وبغض النظر عن الوقت اللازم لاتضاح هذه الصورة بشكل تام وتنفيذ مضمونها، فإن الاميركيين يسارعون الخطى لتخطي المراحل الاسرائيلية للحرب ووضع حد للمواجهات العسكرية في غزة، لانهم يعلمون انها الوسيلة الوحيدة لضمان عدم اتساع رقعة الحرب واغراق المنطقة وربما العالم بحرب عبثيّة يمكن تفاديها.

اما في ما خص لبنان، فهناك رأيان مختلفان حول التسوية المرتقبة في غزة، الاول يقول بأنها ايجابية كونها سترخي بظلالها على الحدود اللبنانية المتنازع عليها، والثاني يقول بأن الامر خطير لان من شأنه انهاء التشتيت الاسرائيلي والتركيز على الجبهة الجنوبية للبنان لعدم تعرض الاسرائيليين لضربة قاسية على الجبهة الشمالية كالتي تعرض لها في عملية "طوفان الاقصى". ازاء هذا الاختلاف في التقييم والرؤية، يعرب الكثير من المتابعين والمطّلعين على حركة الاتصالات الجارية مع المسؤولين اللبنانيين عن اعتقادهم بأن السناريو الاسوأ الذي يمكن ان يحصل سيقضي بحصول تصعيد عسكري (لن يصل الى حدود الحرب المفتوحة)، تتدخل على اثره الدول الكبرى والاقليميّة لوضع حدّ سريع له، وينتج عنه اتفاق او تسوية تضمن للطرفين اللبناني والاسرائيلي الحصول على مرادهما لجهة الامن والاستقرار (بشكل جدّي اكثر من القرار 1701)، ومن الطبيعي ان يتخلله تنازلات مهمّة من شأنها ان تعطي الزخم اللازم لكل من حزب الله والسلطة الاسرائيليّة، كل في شارعه، وتفسح المجال امام كل منهما للخروج بصورة المنتصر.

ويضيف هؤلاء: ان هذا ما يمكن ان يحصل اذا ما تم اعتماد السيناريو الاسوأ، اما السيناريو الآخر، فيمكن الوصول اليه من دون التصعيد العسكري، وهو الانسب للجميع لانه في الواقع، لن يسجل اي انتصار لاسرائيل ولا لحزب الله في ايّ مواجهة عسكريّة اكبر من التي تدور بينهما حالياً، ولا نية للحزب في دفع اثمان كبيرة، كما لا نية لغالبية الاسرائيليين في تحمّل خسائر فادحة لم يعتادوا على تحملها سابقاً، ويبقى فقط رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وعدد قليل جداً من الوزراء الراغبين في السير عكس هذا التيار لارضاء مصالحهم الشخصية فقط. ويعتبر المتابعون والمطلعون انفسهم، انه اذا تم اعطاء الضمانات اللازمة لنتنياهو وفريقه ستنتهي المشكلة في وقت اسرع بكثير من المتوقّع، خصوصاً وانّ البديل السياسي الاسرائيلي حاضر عبر زعيم المعارضة يائير لابيد ومؤيديه الراغبين في التوصل الى حلول يدركون انها ستكون لمصلحتهم على المدى البعيد، وعلى اكثر من صعيد: عسكري وامني وسياسي ودبلوماسي واقتصادي ومالي.

ولن يكون الوضع مختلفاً في لبنان لان الوصول الى مثلِ هذه التسوية، لن يكون على حساب الحزب بطبيعة الحال، ايّ انه سيبقى على حاله من مستوى النفوذ والقدرة على المشاركة بفاعليّة في القرارات المصيريّة للبنان وتسريعها او تعطيلها عند اللازم. لذلك، فإنّ الحديث الذي يقال في السر والعلن للحزب، يبقي كل خيارات الحلّ السياسي للازمة القائمة مع الاسرائيليين، واردة ولا مشكلة للحزب في كسب بعض النقاط التي توفّرها التسوية على غرار ما حصل في مسألة ترسيم الحدود البحريّة حيث قال بوضوح انه كان المظلّة التي امّنت الوصول الى هذا الترسيم عبر فرض معادلة الندّية والمعاملة بالمثل، ايّ فرض ميزان قوّة كان غائباً في السابق.

لا يملك الاميركيون رفاهيّة الوقت لاستمرار الحرب في غزة لاشهر طويلة كما يبشر بعض المسؤولين الاسرائيليين، وبما انهم المموّلون الرئيسيّون لاسرائيل ان من خلال المال او من خلال العتاد والذخائر العسكرية، فإن موقفهم لا يمكن تجاهله اسرائيلياً حتى من قبل نتنياهو، لانه اذا تلكأت واشنطن عن الدعم، فمن سيكون البديل؟ من هنا، لا يجب الاستخفاف بالضغط الاميركي، ولو انّ جنون رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي لم يسبق له مثيل، وبالتالي التسوية آتية لا محال، مع ارجحية كبيرة في حصولها من دون اتساع نطاق الحرب، على ان يستفيد لبنان منها فور الاتفاق عليها.