لِكُلِّ حَضارَةٍ أٍساطيرُها التأسيسيَّةُ. مَدائِنٌ شُغِفَت بِها. إمبراطورِيَّاتٌ شَحَذَتها. بالعُنفِ. بالجُرمِ.

بَعضُها إستَجارَ، وَبَعضُها أُتخِمَ.

مُلوكُ بابِلَ حَجَرٌ بآلِهَةٍ. قَوانينُهُمُ رَدْعُ الأرضِ، ما دونَها وَما أعلاها.

فَراعِنَةُ مِصرَ ألَّهوا ذَواتَهُمُ بأنفُسِهِمِ. مِنهُمُ لا دُنوَّ. حُماتُهُمُ أفاعٍ، بِها يَتَتَوَّجونَ. وَدَينونَتُهُمُ أُنسٌ بِرؤوسِ ذِئابٍ يَلتَهِمونَ قُلوبَ مَملوكيهِمِ العُصاةُ، وإلى مَنافِيَ العالَمِ الآخَرِ يَقودونَ مِنهُمُ الصُلَّاحُ.

الإغريقُ إصطَنَعوا آلِهَةَ تُرابٍ يَتوالَدونَ مِن سِفاحِ قُربى، وَعلى بَعضِهِمِ يَتآمَرونَ. يَترَعونَ بِتَقاذُفِ الأقدارِ وَبِضَحايا مِن بَشَرٍ يَتَعالونَ.

روما أنبَتَتها ذِئبَةٌ مُستَوحِشَةٌ أرضَعَت تَوأمَي زِنىً، أحَدُهُما أردى شَقيقَهُ لَمَّا كِبُرَ، لِيَرِثَهُ وَيُرَوْمِنَ العالَمَ بإمبراطورِيَّةٍ مِن جَيشٍ جَرَّارٍ نَبضُهُ بإفناءِ كُلَّ ما سِواهُ.

وَلِلإعرابيِّينَ مُلوكٌ، مَمالِكُهُمُ حُبوسُ غُلمانٍ وَنِساءٍ، يَتَفَقَّدونَهُمُ مِن عُلا بُسُطِ ريحٍ لِألفِ لَيلَةٍ وَلَيلَةٍ بإحصاءِ طَرائِدِهِمِ، لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ.

وإلى أقاصِيَ الصِينِ وَأوقيانوسِيا نَهَدَتِ اللإنسانية، بإمبراطورِ الجادِ (اليَشبِ)، جالِبِ الحَظِّ، يَلهَثُ بَحثاً عَنِ الخُلودِ بِمُصادَرَةِ إكسيرِ الحَياةِ. وَإذ عَجِزَ عَن إيجادِهِ، حَوَّلَ أبناءَهُ العَشَرَةَ كُلٌّ الى شَمسٍ تُلهِبُ المَسكونَةَ لإبادَةِ أهلِها فَلا يَبقى إلَّاهُ. لَكِنَّ الشابَّ Yi، رامِيَ السِهامِ أردى 9 مِنَ الشُموسِ العَشرِ، فَمَنَحَهُ الناجونَ الإكسيرَ. وإستَقصَدَهُ الحَسَدُ بِشَخصِ تِلميذِهِ، مُقتَحِمِ مَنزِلَهُ لِسَرِقَةِ الإكسيرِ. وإذ مَنَعَتهُ زَوجَةُ Yi مِن تَحقيقِ مأربِه، إبتَلَعَتِ الإكسيرَ وإرتَفَعَتِ الى ما فَوقَ عالَمَ الأحياءِ. فانتَقَمَ بِقَتلِ زَوجِها، مُعَلّمه.

هُناكَ الكونفوشُسِيَّةُ، المُتواتِرَةُ مِن كونفوشِيوسَ (551-479 قَبلَ الميلادِ) الى تَلامِذَتِهِ، على إمتِدادِ حَقَباتِ حُكمِ سُلالَتَينِ مَلَكِيَّتَينِ: Yao (2357-2258 قَبلَ الميلادِ) وXia (2207-1766 قَبلَ الميلادِ)، الأُولَى رُعاتُها مِن الرُحَّلِ رُماةُ سِهامٍ بإمتِيازٍ، والثانِيَةُ مِنَ المُزارِعينَ المولَعينَ بالصَيَّادينِ حُماةِ الأرضِ، رَفَعَتِ Yi مِن قاتِلٍ الى بَطَلٍ غَدا نَموذَجاً بِقيَمِهِ الذاتِيَّةِ وَفَضائِلَ فِعلِهِ الفِدائِيِّ، دِفاعاً عَنِ الكَينونَةِ المَهدورَةِ لِتَجسيمِ وجودِها.

وَهُنالِكَ، روما الجَديدَةُ المُتَوَلِّدَةُ مِن مُجرِمي أوروبا العَتيقَةِ. هُمُ إستَذأبوا وَما إستَنجَدوا بِأساطيرَ تأسيسِيَّةٍ، بَل بَتَواتُرِ أساطيرَ تَكميلِيَّةٍ رَفَعَتِ الإفناءَ الى بُطولَةٍ ألَّهَتِ خَلائِقَ وَهْمٍ بأذنابَ وَقُرونٍ، ألبَسَتها البورفيرَ وَكَرَّسَتها مُخَلِّصَةَ الأرضِ والنُجومِ والكَواكِبَ.

مُعانَقَةُ الإنسانِيَّةِ

أبِإسرافِ التِوَّحُشِ، مُردي الخَليقَةَ مُتَحَيْوِنَةً أو مُتشيِّئَةً، نُموُّ حَضاراتِ البَشَرِ؟.

وَحدُهُ لبنانُ، أعلى عِمادَ إنسانِيَّةٍ مُتعانِقَةٍ. مِن عُمُدِ المُعانَقَةِ جَوهَرُهُ، تألُّهاً وَتأنسُناً. ها إيلُ، الإلَهُ-الأبُ، قَبلَ المَيلادِ، يُؤَلِّهُ الإنسانَ، وَيسكُبُ البَشَرُ، قَبلَ المُسيحِ، كُلِيَّةً-بُنوَّةً في الأُلوهَةِ، إذ يَهتِفُ بالإلَهَةِ-الأُمِّ، النِداءَ-الرِسالَةَ:

"أَقيمي بِالأَرضِ وِئاماً".

وَإزرَعي بالتُرابِ المَحَبَّةَ"،

وَاسكُبي السَلامَ في كَبِدِ الأرضِ".

أجَل! لبنانُ-البِكرُ ما قامَ إلَّا على نَقيضِ التَوَحُّشِ، المُصطَنِعِ لِذاتِهِ جُرأةً مِن إستِعبادٍ. قُدسِيَّتُهُ، التي بِها كُوِّنَ وَيُكَوِّنُ، جُرأةُ تَوَغُّلٍ، بِلا خِشيَةٍ، وإيمانٌ عَلَيهِ تَنتَصِبُ عَتَباتُ الحَقيقَةِ المُطَهِّرَةِ بالتَحَرُّرِ. حَقيقَةٌ مِنَ اللهِ تَتَعانَقُ وَخَلقَهُ لِتَنموَ الإنسانِيَّةُ، لا بِتَوَسُّلِ طِبيعِيَّاتٍ وجودِيَّةٍ ما هي إلَّا إزدِراءَ، بَل بِتَجَلٍّي الخَليقَةِ في خالِقِها. هو الذي، بمُلتَقى الأزمِنَةِ وَالكَونِ، أرادَها صورَتَهُ وَمِثالَهُ، صارِخاً بِها: "كوني!" فَكانَتِ.

تِلكَ لبنانُ: إلتِماسُ الحُبِّ، حتَّى أقاصِيَ تَساميَ الشَغَفِ.

تِلكَ لبنانُ: نُهودُ الشَغَفِ الى العَظَمَةِ، حتَّى أقاصِيَ الَمدَنِيَّةِ الإنسانِيَّةِ.

تِلكَ لبنانُ: نَسغُ الإنسانِيَّةِ في مِحوَرِيَّةِ الأُلوهَةِ، حتَّى أقاصِيَ العَظائِمَ.

قُلتُ معانَقَةٌ؟ مِنها شُمولِيَّةُ لبنانَ-الـتأسيسِيِّ... لِأُولَئِكَ تيهانُ التَهاوِيَ. لَهُ تَعاظُمُ الإنتِماءِ.