على الرغم من الإنشغال المحلي بحراك سفراء دول أعضاء اللجنة الخماسية، الهادف إلى إيجاد تسوية على مستوى الإستحقاق الرئاسي، لا يزال التركيز منصباً على تطورات الأوضاع في الجبهة الجنوبية، خصوصاً مع تزايد التهديدات الإسرائيلية بالذهاب إلى توسيع رقعة المواجهات العسكرية، إنطلاقاً من حاجة تل أبيب إلى معادلة تطمئن سكان مستوطناتها الشمالية.

في هذا السياق، تُصر مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، على التأكيد أن التهديدات الإسرائلية تهويليّة بالدرجة الأولى، بسبب عدم قدرة تل أبيب على شنّ عدوان واسع على لبنان، خصوصاً بعد الفشل الذي مُنيت به في قطاع غزة، إلا أنّها في المقابل تشير إلى احتمال كونها في وارد توسيع رقعة عمليّاتها العسكرية، بهدف تحسين شروطها التفاوضيّة في المرحلة المقبلة.

من وجهة نظر هذه المصادر، هناك العديد من الأسباب الداخلية التي تحول دون ذهاب إسرائيل إلى خطوة متهورة على هذه الجبهة، أبرزها لادراكها أن قدرات الحزب مختلفة عن تلك الموجودة في غزّة، وبالتالي العمليّة ستكون أصعب، بالإضافة إلى الوضع غير المطمئن بالنسبة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، لكنها تلفت إلى أن هذا الوضع نفسه قد يكون السبب في ذهابه إلى التصعيد، في حال نجح تأمين الظروف المناسبة لذلك.

بالنسبة إلى النقطة الأخيرة، توضح المصادر نفسها أن إسرائيل كانت قد عمدت إلى التركيز على أزمة النازحين من المستوطنات لتبرير أي تصعيد قد تقدم عليه، ولاحقاً ذهبت إلى نقطة أخرى، تتمثل بالسيناريو الذي طرح في وسائل الإعلام العبريّة، قبل أيام، الذي يقوم على أساس إعلان هدنة من قبلها، في مقابل الذهاب إلى عمليّة موسعة في حال بادر "حزب الله" إلى إطلاق النار، حيث كان المُراد نصب "فخّ" للحزب.

على الرغم من المخاطر، التي تبقى قائمة طالما أنّ المواجهات على أرض الواقع مستمرة، تدعو المصادر السياسية المطلعة إلى التوقف عند مبادرة "حزب الله"، في الأيام الماضية، إلى تصعيد عمليّاته العسكريّة، كمّاً نوعاً، على هذه الجبهة، حيث تشير إلى أن هذا الأمر كان بمثابة رسالة نارية، إلى الجانب الإسرائيلي، بأنه يمتلك الكثير من القدرات لمواجهة أيّ تصعيد من قبله، كما أنّه كان رداً على التمادي الذي كان حصل في الفترة الماضية.

وتعتبر هذه المصادر أن ما تقدم، يقود إلى أنّ الحزب أراد الرد على رسائل التهديد بالنار، بعد أن كان، في الأسابيع الماضية، يؤكّد كلامياً أنّ الحرب معه لن تكون نزهة لتل أبيب، ولذلك قرّر الكشف عن بعض ما لديه في هذا المجال، على أمل أن يقود ذلك إلى ردع إسرائيل، وتضيف: "حزب الله حكماً لن يكون هو المبادر، خصوصاً أنّ تل أبيب تنتظر هذه الفرصة للذهاب إلى مواجهة، تورّط الولايات المتحدة فيها".

هنا، تشير المصار نفسها إلى أنّ واشنطن لا تزال ترفض التصعيد، بدليل موقفها بعد الهجوم الذي تعرضت له قوّاتها على الحدود السوريّة الأردنيّة، حيث تأمل الوصول إلى تسوية يستطيع الرئيس جو بايدن إستخدامها في الإستحقاق الرئاسي، حيث المعلومات تفيد بأن الإدارة الحالية لا تريد فقط الوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار، بل تسعى أيضاً إلى ما هو أبعد من ذلك، أي الذهاب إلى إتفاق واسع على مستوى المنطقة، وهو يحظى بدعم الدول الأوروبيّة التي تخشى عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

في المحصّلة، هناك العديد من العوامل المؤثّرة في هذه الجبهة، إلا أنّ الأساس يبقى الموقف الإسرائيلي، تحديداً نتانياهو، الذي يأخذ بعين الإعتبار توازناته الداخلية التي لا تصبّ في صالحه، بسبب التهديدات التي يتعرّض لها من جانب وزراء اليمين المتطرف، بالإضافة إلى الهجمات التي تشنها قوى المعارضة عليه.