عندما يتحدث العسكريون بالسياسة، فإن هذا يكون بمثابة جرس انذار للمسؤولين السياسيين انهم لم يعودوا على قدر المسؤولية، او انهم باتوا غير قادرين على اتخاذ القرارات المناسبة التي تصبّ في المصلحة العامة. لطالما تباهى الاسرائيليون بأنهم يستندون الى الامن كدعامة اساسية لبقائهم ووجودهم، ولطالما استعانوا بقادة ومسؤولين سابقين في الجيش لتسلّم مهام سياسية وهو ما كان سبب نجاح العديد منهم ومن بينهم رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.

اليوم، وبفعل التصرفات والقرارات التي يتخذها هذا الاخير، تتعالى الاصوات الاسرائيلية المطالبة بتنحيته والمشككة بكل خطوة يقوم بها. وفي حين يُعتبر من الطبيعي صدور انتقادات من مسؤولين سياسيين اسرائيليين مناهضين له ولسياساته، كان من غير المعتاد ان تصدر اصوات من داخل الجيش الاسرائيلي تعارض ما يقوم به رئيس الوزراء. وما يقال في السرّ داخل الجيش الاسرائيلي، افصح عنه في العلن رئيس الاركان السابق يائير غولان الذي كشف نتنياهو واعطاه دروساً في التعاطي السياسي مع الاسرائيليين والعالم على حد سواء، واتّهمه مباشرة بأنه لا يملك اهدافاً في الحرب التي شنّها وانه يرفض ايّ مسار سياسي لحل الازمة ومنها مفاوضات الافراج عن الاسرى، لانه (اي نتيناهو) يعلم انها ستكون بداية نهايته في الحياة العامة.

من الممكن الا يكون الكلام الصادر عن غولان جديداً، ولكن تداعياته كبيرة، فهو حين يقول ان اي حرب يجب ان تترافق مع مسار سياسي، فهو يعي ما يعنيه ذلك، وحين يشدّد على ان حياة الاسرى الاسرائيليين لا تعني بشيء قيادتهم السياسية، فهو ينطلق من واقع يعيشه في الداخل الاسرائيلي. ولعل الاكثر اهمية في كلامه، هو تحذيره من ان التسوية قد تُفرض على اسرائيل اذا ما بقي تعنّت الطبقة السياسية على حاله مع حلفائها وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية واوروبا.

في المقابل، يصرّ نتنياهو على السير عكس التيار، وفي حين يحذّره الجميع من تداعيات شن هجوم على رفح، تراه يزداد اصراراً على هذه المسألة، مراهناً على عجز المموّل الاول له (اي اميركا) عن القيام بأي عمل او رد فعل عقابي على التمرد الاسرائيلي. وما خطوة الموافقة الاميركية الاخيرة على مبلغ الـ16 مليار دولار لتزويد اسرائيل واوكرانيا بالسلاح، سوى دليل واضح على هذا الامر، وهذا يعني انه بمقدور المسؤولين الاسرائيليين فرض شروطهم ومواقفهم على الادارة الاميركيّة، من دون اي رد، وهو ما يضرّ بصورة اميركا العالمية التي، وان التصقت بالدعم المطلق لاسرائيل، كانت قادرة على الابقاء على الحد الادنى من التعاطي مع الآخرين واقناعهم بأنها تهتم ايضاً بمصالحهم، وهو ما بات اليوم بعيد المنال.

وما قاله غولان بشكل غير مباشر، هو ان لا نهاية للحرب ولا لمخاطر توسيعها، ولا عودة للاسرى، ولا حتى تحقيق ايّ مكسب، قبل رحيل نتنياهو وحكومته، او اقلّه تغيير السياسة المتّبعة حالياً ووضع مسار سياسي يرافق العمل العسكري الميداني، وبالتالي فإن الثقة برئيس الوزراء الحالي تتراجع بشكل كبير، واذا ما توسّع نطاق الحرب ليشمل لبنان، فيجب ان تكون اسرائيل واثقة تماماً من حسم الموقف، والا فإن فتح جبهة الشمال سيكون خطأ مميتاً ومن شأنه ان يضيّع قدرات الجيش الاسرائيلي الذي سيجد نفسه يحارب على جبهتين ولفترة طويلة، فيما هو غير معتاد على ذلك، وغالباً ما كانت تنتهي الحروب الاسرائيلية سريعاً، بينما نسمع اليوم ان الحرب قد تمتد لاشهر وربما لسنة اضافية، ناهيك عن أن طبيعة القتال ضد حزب الله تختلف عن تلك التي يخوضها الاسرائيليون ضد "حماس".

للمرة الاولى ربما، تتقاطع اصوات الداخل الاسرائيلي مع اصوات الخارج المطالبة بالتخلص من نتنياهو، ولكن ما يعطيها زخماً اضافياً هذه المرة، هو دخول اصوات العسكر التي لها ثقل كبير في اسرائيل، فهل اصبحنا في "ليلة القبض على رئيس الوزراء الاسرائيلي"؟.