في غقلة من الواقع، وفي خضم المعارك القائمة والعمليات العسكرية المحتدمة، حصلت اسرائيل على ضمانة لبنانية غير مسبوقة بأنه يمكن للبنانيين القيام بما يعتزم الاسرائيليون القيام به، وبطريقة افضل ايضاً، اي تفتيت البلد وهدمه. الضمانة لم تكن طائفية، بل جامعة، فالمسيحيون والمسلمون (شيعة وسنّة) وحتى الدروز، وقّعوا على هذه الضمانة من دون ان يدروا، وبالتأكيد لم يكن النازحون السوريون خارج اللعبة، بل هم مساهمون اساسيون فيها.

الضمانة التي نتكلم عنها، هي القدرة الفائقة على الدخول في حرب اهلية بظرف دقائق، وفي حال كان هناك من يعيق هذا الامر بفضل الحكمة والوعي، فالنازحون جاهزون لصبّ الزيت على النار واخذ الامور الى الفوضى الشاملة. هذا ما تعلّمناه في الساعات القليلة الماضية بعد مقتل المسؤول الحزب في القوات اللبنانية باسكال سليمان، فلاحت اجواء الاقتتال الداخلي من جهة، وتسبب النازحون -بسبب مقتل سليمان على يد سوريين اقتادوه من لبنان الى سوريا- برد فعل قد يكون ذهب ضحيته آخرون لم يشاركوا في العملية انما ضاقت صدور اللبنانيين من وجودهم الدائم في لبنان، مع كل التحذيرات التي أُطلقت حول الخطر الكامن جرّاء هذا الوجود على الصعد المعيشية والاقتصادية والمالية والجرائمية. هكذا، اشتعلت الجبهة الداخلية وتحوّل الهمّ الداخلي الى ضبط الامور ومنع انفلاتها نحو المنحى الطائفي او الخلل الامني بفعل المواجهات بين اللبنانيين والسوريين. ازاء هذا الوضع، لا تحتاج اسرائيل الى ضرب لبنان او حتى تهديده، وما عليها سوى الاكتفاء بالمشاهدة ورؤية البلد يتفتت على وقع الطائفية والمواجهات المترتبة على فائض التواجد السوري.

تفاوض اسرائيل على الجبهة الفلسطينية، ولكن عينها على الحدود الجنوبية للبنان، وهي لا شك تجد في الفوضى الداخلية اللبنانية "تنفيساً" لمشكلتها، كما ان المشاكل الداخلية أكان بين اللبنانيين أنفسهم او بينهم وبين السوريين، تفتح نافذة واسعة امام الدول الاخرى لفرض امور كانت ترى انه من الصعب الى حد ما قبولها في لبنان، فتصبح الارضية مهيّأة تماماً لمثل هذه التسويات التي لا تصبّ في خانة لبنان ولا أهله. حتى الساعة لم يكن هناك من حديث عن استغلال لهذا الامر، ولكن من اليقين انه اذا ما تأزمت الاوضاع اكثر من ذلك، فلن تقف هذه الدول مكتوفة الايدي، وستعمد بالسرعة اللازمة، الى التدخل "لانقاذ لبنان" عبر فرض بنود لن يكون باستطاعة احد رفضها، لانها من المفترض ان تهدئ الاوضاع وتوقف الفوضى، والاهم طبعاً منع انتشار الهجرة غير الشرعية للسوريين واللبنانيين على حد سواء من هذا البلد الى دول اخرى اقربها اوروبا.

المؤلم في كل هذا الامر، ان اللبنانيين لم يتعلّموا بعد الدروس، فتراهم يهددون بالحرب الاهلية وكأنها نزهة سهلة ستفضي الى سيطرة طائفة على اخرى، ولا يرغبون في التوقف للتفكير بأن كل هذه الافكار هي مجرد اوهام بعيدة عن الحقيقة كبعد الارض عن السماء. وبمعزل عن هذه المواجهة المدمّرة، لم يكن ينقص سوى زيت النازح السوري لاشعال الفتيل! انها معادلة دقيقة جداً يجب التعاطي معها، واذ ندعو الا يتمتع من تسبب بها براحة بال وطمأنينة، فإننا ندعو في المقابل الى ان يجنّب الله هذه القنابل الموقوتة الجاهزة للتفجير في اي وقت، والتي توازي بمفاعيلها انفجار "نيترات الامونيوم" انما على امتداد لبنان ككل.

رحم الله باسكال سليمان، ولكن لا يجب ان يكون موته سبب موت لبنان ككل، وليعد كل لبناني الى ضميره ودينه ويعي ان خراب البلد سيعود بالمصائب على الجميع من دون استثناء، فإلى متى يجب علينا الاعتماد على الخارج لتقرير مصيرنا؟.