على وقع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، يكثر الحديث عن تحولات من الممكن أن تقود إلى تسوية على المستوى السياسي الداخلي، ترتبط بشكل أساسي بما يقوم به سفراء اللجنة الخماسية من تحركات، بالإضافة إلى بعض المواقف التي تصدر عن أفرقاء داخليين، أبرزها الإيجابية التي تمت الإشارة إليها على مستوى العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل"، نتيجة الموقف من مبدأ الحوار الذي صدر عن الأول.

بعيداً عن التفاصيل الداخلية الضيقة، يبدو أن هناك على المستوى الإقليمي أكثر من حراك مؤثر في الساحة المحلية، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من المفترض أن تظهر معالمها بشكل أوضح في المرحلة المقبلة، على إعتبار أن أي خطوة جدية لا يمكن أن تبرز إلا بعد الإنتهاء من العدوان الإسرائيلي الحالي.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنه بالتزامن مع إستمرار التقارب السعودي الإيراني، القائم منذ الإتفاق الذي تم بينهما برعاية صينية، والذي إنعكس، في الفترة الماضية، تهدئة على الساحة اللبنانية، ثم اللقاء بين سفيري البلدين في بيروت وليد بخاري ومجتبى أماني، لا يمكن تجاهل وجود إتفاق، ولو كان بالخطوط العريضة، بين الجانبين الإيراني والأميركي، على منع إنزلاق الأمور نحو مواجهة شاملة في المنطقة، وهو ما يمكن الإشارة إليه عبر البحث في التطورات العراقيّة الحالية، بالإضافة إلى المواقف التي كان قد أطلقها وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته الماضية إلى بيروت.

بالإضافة إلى ما تقدم، هناك مسار آخر لا يقل أهمية، تلفت المصادر نفسها إلى أنه لا يزال بعيداً عن الأضواء، يتعلّق بالحوار السعودي السوري المستمر منذ تاريخ عودة دمشق إلى جامعة الدول العربيّة، حيث توضح أن هذا المسار يشهد تقدماً، من المفترض أن تظهر معالمه بشكل أوضح في المرحلة المقبلة، ما دفع بالبعض إلى بدء الحديث عن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى سوريا، بالرغم من أنّ ذلك لا يزال مستبعداً في الوقت الراهن، لا بسبب إستحالة حصوله بل لأن الأمور تحتاج إلى المزيد من الترتيبات، إلى جانب عامل التوقيت المناسب.

من حيث المبدأ، التواصل السعودي الإيراني والسعودي السوري، إلى جانب قنوات الإتصال القائمة بين الجانبين الإيراني والأميركي، من الممكن أن تمهد لمسار جديد على المستوى اللبناني، لا يتوقف فقط على السعي إلى التوصل إلى تهدئة على الجبهة الجنوبية، أو العمل على تمهيد الأرضيّة لترتيب الأوضاع فيها بعد إنتهاء الحالة الحربية.

في هذا المجال، ترى المصادر السياسية المتابعة أنّ حراك رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، خلال زيارته الماضية إلى لبنان للمشاركة في ذكرى إغتيال والده، من الممكن أن تندرج في هذا الإطار، أيّ مواكبة التطورات التي من الممكن أن تسجل على المستوى الإقليمي، على إعتبار أن الرجل ما كان ليقدم على هذا التحرك، لو لم يحصل على إشارات مشجعة من جانب السعودي، أو على الأقل لمس بأن هناك ما يمكن البناء عليه على هذا الصعيد.

في المحصّلة، تشدّد هذه المصادر على أنّ ما تقدم لا يعني إمكانية الوصول إلى حلول قريبة، بالنسبة إلى الساحة اللبنانية، نظراً إلى الارتباط القائم بالمسار الإقليمي المتعلق بالعدوان على غزة، لكن ما يمكن الحديث عنه هو أن عمليّة التمهيد للمرحلة التي ستلي بدأت، ولبنان لن يكون بعيداً عنها بأي شكل من الأشكال، مع التركيز، في الوقت الراهن، على تجنّب دخوله أو إنزلاقه إلى مواجهة واسعة مع إسرائيل.