في الفترة الماضية، طغى الحديث عن خلافات بين أركان ​اللجنة الخماسية​ المعنية ب​الإستحقاق الرئاسي​، كان يتم التعبير عنه من خلال الإشارة إلى التنافس الفرنسي القطري على الأدوار في هذه الساحة، بالرغم من أنّ الجميع يدرك أن الأساس هو في مكان آخر، أي لدى كل من ​الولايات المتحدة​ و​المملكة العربية السعودية​ والجمهورية الإسلامية في ​إيران​، على إعتبار أنهم منّ الأساسيين على الساحة اللبنانية.

مؤخراً، برز تنافس من نوع آخر، ربطاً بالتطورات العسكرية القائمة على الجبهة الجنوبية، نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بين كل من الولايات المتحدة وفرنسا، كان من أولى تداعياته إلغاء المؤتمر الخاص بالجيش اللبناني، الذي كان من المفترض أن يعقد نهاية الشهر الماضي، الأمر الذي فتح الباب أمام مجموعة من الأسئلة حول مصير عمل اللجنة الخماسية، وصل إلى حد نعي دورها من قبل بعض الأفرقاء المحليين.

انطلاقاً من هذا الواقع، تراقب مصادر سياسية تطورات القمة التي عقدت في العاصمة الفرنسية باريس، بين ​أمير قطر​ تميم بن حمد والرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​، خصوصاً بعد الأجواء الإيجابيّة التي صدرت عن الجانبين، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام انعكاسات هامة على المستوى اللبناني، بغضّ النظر عن توقيت ترجمة ذلك من الناحية العملية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقدم لا ينفصل عن التطور الإيجابي على مستوى العلاقات السعوديّة الإيرانيّة، الذي كانت معالمه قد بدأت بالظهور على الساحة اللبنانية، ولا عن المساعي الأميركية الإيرانية لتفادي الذهاب إلى مواجهة شاملة على الجبهة الجنوبية، التي كان وزير الخارجية الإيرانيّة حسين أمير عبد اللهيان قد عبر عنها، في زيارته الماضية إلى بيروت.

من وجهة نظر هذه المصادر، ما يفترض البحث فيه اليوم يتعلق بإمكانية أن توافق الولايات المتحدة، التي كانت قد أبدت، في الفترة الماضية، اعتراضاً على التحركات الفرنسية في لبنان، على فتح الأبواب لتسوية رئاسيّة قبل انتهاء ملف ترتيب الأوضاع الجنوبية، على اعتبار أن ذلك سيكون العامل الحاسم في الإجابة عن السؤال الجوهري، أي إمكانية الفصل بين الاستحقاق الرئاسي والأوضاع العسكرية جنوباً.

في هذا الإطار، تفيد المصادر السياسية المتابعة بأن الولايات المتحدة هي أكثر المستفيدين من نظريّة المقايضة، على الرغم من أنّ بعض حلفائها المحليين كانوا أول المعترضين عليها والمحذرين منها، نظراً إلى أن ما يهمها هو المكاسب التي تستطيع تحصيلها جنوباً، في إطار حماية أمن ​اسرائيل​ وتحقيق مصالحها، في ظلّ الدعم الذي تبديه لها، بغض النظر عن الخلافات التي تظهر، بين الحين والآخر، حول كيفيّة إدارة العدوان على غزّة.

على الرغم من ذلك، تشير هذه المصادر إلى أنّ الجانب القطري لا يمكن أن يسير في أيّ طرح دون ضوء أخضر من الجانب الأميركي، وبالتالي في حال برزت أيّ أجواء إيجابيّة إضافيّة لا يمكن أن تكون واشنطن بعيدة عنها، نظراً إلى أنها تمتلك حق "الفيتو"، من دون تجاهل خطر إنفجار الأوضاع، في حال لم يتم الوصول إلى اتفاق يتعلق بما يجري في غزّة خلال وقت قريب.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن هناك مساراً قد يفتح الباب أمام التسويّة الرئاسيّة، في حال توفرت الأجواء المساعدة له، يبدأ من اتفاق هدنة، على الأقل، عسكريّة، ويستكمل بتطوير الإيجابيّة المشارة إليها سياسياً، إلا أنّها تشدّد على أنّ هذا الأمر يرتبط بالموقف الأميركي، أولاً وأخيراً، الذي على ما يبدو لا يزال يعتبر أنّ وقت التسوية لم يحن بعد.