تخصّص ​الكنيسة​ الأرثوذكسيّة سبتين في السنة كتذكار عام للراقدين. الأوّل يقع قبل أحد مرفع اللحم، الذي يصادف غدًا، ويُعرف بأحد الدينونة، لأنَّ الدينونةَ مرتبطةٌ باللهِ وحدَه، والكنيسةُ تصلّي على الرجاء. والدينونة تعني مجيء المسيح الثاني، ولأن أمواتنا لم يخضعوا للدينونة بعد، نذكرهم في الصلاة طالبين لهم الراحة ورحمة الله العظمى اللامتناهية. كما نذكّر، في الوقت ذاته، أنفسنا بالتوبة. فتدعونا الكنيسةُ إلى ذكرى عامةٍ لجميعِ الذين "رقَدوا على رجاءِ القيامةِ المجيدةِ والحياةِ الأبديّة".

التذكار الثاني هو السبت الذي يسبق أحد العنصرة مباشرةً. هذا السبت مرتبط بالروح القدّس الذي هو الحياة والنعمة والقداسة. وفيه تطلب نعمة الروح القدس للراقدين لتعزيتهم وراحتهم، مع العلم أن كلّ سبت في الليتورجيّة الأرثوذكسيّة مخصص للراقدين، إلاّ سبت لعازر و​سبت النور​ وفي الأعياد. كذلك يُذكر الراقدون في كلّ قدّاس إلهيّ على المذبح أثناء خدمة الذبيحة وفي الدخول بالقرابين. هذا تعليمنا وهذا ايماننا، وهذا ما تسلّمناه من الآباء القدّيسين.

الشائع بين المؤمنين استعمال عبارة سبت الأموات، في حين إنه سبت الراقدين، فنحن جماعة قياميون آمنّا أن الموت أُميت بموت المسيح، بطبيعته البشرية على الصليب، وبنزوله إلى الجحيم غلب الموت في "عقر داره"، ولذلك نرتّل في الفصح: "المسيح قام من بين الأموات، ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور".

تعلّمنا ايضًا، أن لا موت في المسيحيّةِ، بل رقادٌ وانتقالٌ إلى الحياةٍ الأبديّة. الموت الحقيقي لا يطال إلّا الرافض للتوبة ولنعمة الله عليه. كل إنسان عائش في الخطيئة هو مائت. المسيحيّةُ تخاطبُ كلَّ بشرٍ وتقولُ له: "يا إنسان، لا تَكتَفِ بالقولِ إنّك من الترابِ وإلى الترابِ تعود، بل قُلْ أيضًا إنّك من الله وإليه تعود".

نذكر الراقدين قبل دخولنا زمن ​الصوم​ المبارك، لأننا واحد وإياهم أمام الديّان العادل، يقول ​السيد المسيح​ : "أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي ، فلن يموت إلى الأبد" (يوحنا ١١: ٢٥). أمواتنا لا يموتون، الصلاةُ من أجلِ الراقدين من صُلبِ الإيمانِ المسيحيّ، وحياةُ الإنسانِ لا تنتهي مع تحلُلِ جسمِه التُّرابيِّ وانفصالِ روحه عن جسدِه ، بل يستمرُّ الإنسانُ حيًّا بالروح بانتظارِ القيامةِ العامّة: "لا تتعجّبوا من هذا، فإنّه تأتي ساعة فيها يسمَع جميعُ الذين في القبورِ صوتَه، فيخرجُ الذين عمِلوا الصالحاتِ إلى قيامةِ الحياة، والذين عمِلوا السيئاتِ إلى قيامةِ الدينونة" (يوحنا ٥: ٢٨- ٢٩). لا موت في المسيحيّةِ بل رقادٌ وانتقالٌ إلى حياةٍ أبديّة، من هنا نَدعوهُ سبتَ الراقدين.

ورد عند القدّيس يوحنا الذهبي الفم أنه "لا يكفي ان تبكي الميت فقط بل تضرّع الى الله من أجله بالصلوات والصّدقات، وقدّم عنه كلّ ما يمكن تقديمه، وقُم بالذكرانيات لأجل راحة نفسه". في حين أن القدّيس أثناسيوس الكبير أشار إلى أنّ "أمواتنا لا يموتون لأنّ سيّد الحياة ومصدرها تجسّد. وأبطل الموت بموته. ولأننا أناس قياميّون. نصلّي مع أمواتنا ولهم عندما نشتاق إليهم، نتنفّسهم في صلاتنا وهم بدورهم يذكروننا في حضرة الرب".

رحم الله جميع الراقدين، وليكن ذكرهم مؤبدًا.