كالنار في الهشيم تستعر الحرب على الجبهة الجنوبية اللبنانية، ومع كل يوم إضافي يرتفع عدّاد النازحين عن قراهم إلى مناطق الداخل هربا من القصف الإسرائيلي، الذي أتى على أعداد كبيرة من المنازل والمزارع والمنشآت، إلا أن أخطر ما في الأمر هو وضع هؤلاء النازحين الّذين تُركوا لمصيرهم ليتدبروا أمرهم، بعد تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها، وبعد غض الجمعيات الدولية طرفها عن معاناتهم.

بحسب الإحصائيات فإن أعداد النازحين تجاوزت 100000 نازح، توزعوا على مراكز الإيواء في مدينتي صور والنبطية، أما النسبة الأكبر منهم فلجأوا إلى بيوت الأقارب والأصدقاء أو استأجروا بيوتا لهم لحين انقضاء الحرب، لكن كل هذه الأعباء بالنسبة للنازحين الذين فقدوا مصادر رزقهم أو بالنسبة للعائلات المستضيفة لهم لم تتحرك الدولة تجاههم، وكل ما تم رصده بقي حبرا على ورق، فمع اندلاع الحرب قدّمت وزارة الشؤون الاجتماعية بعض المواد اللازمة لمراكز الإيواء والتي وصفها النازحون وقتها بالخجولة، ومنذ ذلك الحين اختفت الوزارة واختفى معها عدد كبير من الجمعيّات التي قدّمت الإعانات والمستلزمات الضرورية للمواطنين.

وهنا يطرح السؤال، لماذا غابت الدولة بشكل تام عن هم مواطنيها، أليسوا هؤلاء من حَمَلَة الجنسية اللبنانية؟ وهم نفسهم تحملوا كل الأعباء نتيجة وجودهم على الحدود مع فلسطين المحتلة وتحملوا ضريبة الاعتداءات الإسرائيلية منذ عام 1948 حتّى هذه اللحظة، فلماذا هذه الازدواجية بالتعاطي مع الجنوبيين، أما بالنسبة للجمعيات وخاصة الدوليّة منها، فلماذا لم تكلّف نفسها عناء السؤال عن حالهم وعن معيشتهم، وأين هي الجمعيات التي دفعت ملايين الدولارات لعقد حلقات النقاش في بيروت، والتي صرفت أموالها في مزاريب مجهولة؟ أليس الأحرى بها أن تتحرك تجاه الأطفال المحرومين من التعلّم والنساء اللواتي يعشن ظروفا صعبة في المراكز؟.

وهنا لا بد من لفت النظر إلى أنّ كل التقديمات التي تُعطى للنازحين الجنوبيين هي من المغتربين ومن جمعيات وأحزاب ومبادرات محليّة أخذت على عاتقها أن تحمل همهم، دون انتظار وزارات الدولة ولجانها التي لا زالت غارقة في البيروقراطية المميتة، والتي إن استيقظت فستستيقظ بعد انتهاء الحرب.

من هنا ينبغي التأكيد أن الجنوبي لم تكسره حرب، فهذه ليست الأولى التي تُشن عليه وعلى بلداته، فمنهم من تدمر بيته للمرة الثالثة والرابعة وأعاد بناءه من جديد، إلا أن الذي يعتصر قلبه هو الإهمال غير المبرر من قبل الدولة لقضاياه ومعاناته وكأنه ليس من نسيج هذه الأرض، علما أنه أساسها، وقدم أغلى ما يملك في سبيلها، من روح ودم وأرزاق دفاعا عن لبنان كل لبنان، فلهذا على الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها أن تنظر بوضع النازحين الجنوبيين وتقدّم الدعم اللازم لهم لتأمين مقومّات الصمود، وكذلك النظر بوضع مراكز الإيواء التي استُهلكت لأكثر من خمسة أشهر وأصبحت في وضع غير صحي ومضرّ للنازحين.