من أجل ضمان تحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، وأهداف سياسية قصيرة المدى، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أيام عن نية بلاده إنشاء ميناء عائم مقابل شواطىء غزة لتأمين المساعدات للشعب الفلسطيني، ولكن من الواضح ان الولايات المتحدة الأميركية الداعمة بشكل مطلق لاسرائيل، لا تسعى لتأمين مصالح الفلسطينيين من هذا الميناء.

يقول الرئيس الأميركي إن بلاده تحتاج الى حوالي 4 أسابيع لتبدأ العمل على الميناء الذي يتطلب بعدها 60 يومأً ليكتمل العمل فيه، وبالتالي فإن الحديث يتمحور حول مدة تمتد الى بداية الصيف المقبل. من المتوقع أن يكون الميناء في المنطقة البحرية بين وسط وشمال قطاع غزة، وقد أوكل بايدن الى عناصر من مشاة لواء النقل السابع من قاعدة لانغلي في فيرجينيا مهمة بناء الميناء وتجهيزه، من دون الغوص في التفاصيل اللوجستية للعمل، وهو أمر يطرح الكثير من التساؤلات حول الجهة التي ستكون مسيطرة على الميناء، وتلك التي ستوزع المساعدات على الأرض، وكيفية إدارة كل هذه العملية.

بداية، لا بد من القول إن اسرائيل التي تعاني من الضغط الدولي بشأن انعدام وسائل العيش للفلسطينيين، ستجد في هذا الميناء فرصة ذهبية لتظهر امام العالم بصورة معكوسة، والإيحاء بأنها لا تمارس الحصار على القطاع، وأنها لا تمانع وصول المساعدات الى الفلسطنيين بشرط أن تتم العملية بطريقة منظمة ومراقبة لكي لا تستفيد منها حركة حماس.

كذلك، فإن الميناء لن يخدم الفلسطينيين بقدر ما سيخدم الاسرائيليين والمصالح الأميركية في المنطقة، والهدف الرئيسي والمعلن في غزة سيكون إبعاد حركة حماس عن أي سلطة في المستقبل، فاسرائيل تعتبر أن سيطرتها الأمنية لا تكتمل من دون السيطرة على سبل العيش في القطاع، وبحال كانت عاجزة عن اتمام السيطرة الكاملة على معبر رفح، فلم لا يتم استبداله بالميناء العائم؟ علماً أن صحيفة "جيروزاليم بوست" كشفت أن فكرة المرفأ العائم هي فكرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بميامين نتانياهو منذ الأيام الاولى للحرب.

إذاً من أهداف المرفأ إقفال معبر رفح الذي تقول اسرائيل إن حماس تستخدمه لإدخال السلاح الى القطاع المحاصر، لذلك تُريد إقفاله بشكل كامل واستبداله بالمرفأ العائم الذي سيكون لاسرائيل قدرة السيطرة على ما يدخل إليه وما يخرج منه، اذ سيتواجد الاسرائيليون في قبرص التي ستكون مركز تعبئة السفن بالمساعدات وسيكشفون ويتحققون منها بشكل دقيق، كما سيكون الجيش الاسرائيلي على الأرض في غزة للتحكم في توزيعها.

يخشى مراقبون أن يكون الميناء مقدمة لعملية رفح العسكرية، وهو أمر صحيح، انما ليس بالضرورة ان يكون مرتبطاً بناحية التوقيت، فحتى اليوم لا يوجد أفق زمني واضح لهذه العملية العسكرية التي يؤكد الاسرائيليون انها حتمية، ولكن أساس ميناء غزة العائم يتعلق بما بعد الحرب وطريقة إدارة القطاع، وهنا سيكون لدول عربية دور بذلك. فهل يكون الميناء مقدمة لتواجد قوات عسكرية أميركية، وربما عربية على أرض غزة؟ أم أن اسرائيل ستكون الحاضر الأبرز؟ وهل يدخل الميناء في المستقبل، إن استكمل العمل به، ضمن أهداف المقاومة الفلسطينية بحال كان دوره مشبوهاً، ويتضمن سيطرة أميركية على بحر غزة، والغاز فيه ربما؟

كل هذه التساؤلات مبررة أمام مشروع مشبوه بهذا الحجم، فالمنطقة تُرسم على وقع الحرب القائمة حالياً، وكل الاحتمالات مفتوحة.