في غياب رئيس الجمهورية، وفي ظل حكومة مستقيلة تتولى تصريف الاعمال، يسرح رئيس مجلس النواب نبيه بري ويمرح على الساحة اللبنانية، وهو تحوّل بشكل رسمي، الى القطب الوحيد القادر على التحدث باسم الدولة اللبنانية. صحيح ان المبعوثين والمندوبين الاجانب والعرب يلتقون رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ويتحادثون معه ومع بعض المسؤولين والزعماء السياسيين اللبنانيين ويتطرقون الى الاوضاع المحلية والاقليمية، غير ان الجميع يدرك ويعترف انه في الوقت الحالي لا يمكن القفز فوق رئيس المجلس النيابي ولا حتى محاولة تغييبه، لان عملهم سيكون ناقصاً. ولم يترك بري اي مجال للشك في كونه مصبّ الاتصالات واللقاءات الاجنبية والعربية، فأبلغ كل من يعنيه الامر انه هو الرجل القوي في لبنان، ولا بد من التحدث معه لحل المشاكل العالقة ان على صعيد انتخاب رئيس للجمهورية، او ايجاد قواسم مشتركة لنزع فتيل الحلول العسكرية على الحدود الجنوبية للبنان.

وصل بري اليوم الى اعلى ما يمكنه الوصول اليه، فتراه يمسك بالامور من كافة اطرافها متسلحاً بمنصبه الرسمي وولايته التي لم ينته مفعولها بعد، وبالتفويض الحاصل عليه من حزب الله للتحدث عن الاوضاع في الجنوب وتطورات الحرب على غزة. هكذا، لم يعد هناك من مجال لاي تسوية او حل في اي قضية داخلية او اقليمية، خارج طريق عين التينة. وما كشفه مثلاً من انه هو وراء مبادرة كتلة "الاعتدال" النيابية لتحريك الملف الرئاسي، كفيل باعطاء فكرة واضحة عن مدى تمدده في كل زاوية من زوايا الملفات، تماماً كما حديثه المعلن والخفي عن الاوضاع في الجنوب، وما يجب اعتماده لانهاء المواجهات العسكرية هناك، حتى ان التيار الوطني الحر عاد لينسج خيوط اتصالات معه بعد ان كان التواصل بينهما شبه مقطوع. والتقت مصادر قريبة من بري مع مصادر اخرى لشخصيات التقت برئيس مجلس النواب، على انه قادر على حمل كل الملفات بيد واحدة، وليس بوارد التخلي عن اي مسألة، وبالتالي لن يقبل بأي تسوية او حل يضعه في مكان مشابه لما كان فيه بعد انتخاب رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون، ولن يقبل في العودة الى مسار المواجهات التي كان يخوضها الرجلان، وانه (اي بري) يفضّل التعاطي مع شخصية تعترف بدوره الاساسي (وربما الاقوى) بين سائر المسؤولين بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

ويعرف رئيس المجلس من اين تؤكل الكتف، لذلك تراه يضع الكرة في ملاعب غيره في الملفات الرئاسية (لدى الاحزاب والقوى المسيحية)، والمواجهات في الجنوب (لدى اسرائيل)، وقضية التنقيب واستخراج النفط (لدى القوى الاجنبية). وتعترف شخصية معارضة لبري أن هناك جزءاً كبيراً من الحقيقة في إلقاء اللوم على هذه الدول والشخصيات، إلا انه صحيح ايضاً عدم جواز احتكار شخص واحد التفاوض والتشاور في كل الحلول وحصرها بشخصه، فيما هو احد اسباب المشاكل في كل الملفات، في ظل عجز واضح لمعارضيه عن التغلب عليه لاسباب طائفية وتحالفات سياسية غير منطقية.

لذلك، من المرجّح ان يبقى بري حتى وقت غير قصير، الرجل القوي في لبنان، وهو سيضمن الحفاظ على هذا الوضع حتى بعد انتخاب رئيس للجمهورية او التوصل الى تسوية على الحدود الجنوبية تنهي الوضع المتأزم الذي يعيشه الجنوب حالياً، وما على معارضيه سوى ان يقبلوا بالامر الواقع لان البديل سيكون بكل بساطة: "الفراغ". فهل هناك من باستطاعته تحمّل هذا الثمن، خصوصاً وان كافة الدول راضية ولا تبدي اي استياء او معارضة لهذا الامر؟