كثيرون ينفرون من كلمة «عبد» في علاقتنا مع المسيح، ونعطي مثالًا على ذلك: «نحن عبيد الله»، أو ما يأتي في صلاة التوبة للقدِّيس إفرام السريانيِّ: «... وأنعم عليَّ، أنا عبدك الخاطئ...»، وغيرها، إذ يعتبرون أنَّ كلمة «عبد» مهينة بحقِّ الإنسان، ويفضِّلون استعمال كلمة «خادم» مكانها.

في المقابل، هناك من يلجأ إلى اعتبار كلمة «عبد» بمعنى عابد. مع أنَّ القاموس يقول: «عبَدَ يَعبُد، عِبادةً وعُبُوديَّةً، فهو عابِد، والمفعول مَعْبود»، وبالتالي تبقى كلمة «العبوديَّة» موجودة.

الجواب على هذا الأمر يكمن في مَن هو الله، وما هو نوع علاقتنا معه بمفهومه، وليس بحسب تفسيرنا نحن. المسيحيَّة تقول إنَّ الله محبَّة، وهو[1] تجسَّد وصار إنسانًا وصُلب عنَّا، وفدانا بدمه، وأقامنا من بين الأموات، وأعطانا حياة أبديَّة، وحرَّرنا من سلطة الخطيئة، أي إنَّه بذل ذاته من أجلنا. فكيف يمكن لمن فدانا أن يتسلَّط علينا أو يريدنا أن نكون له عبيدًا بمفهوم العبوديَّة الظالمة؟ طبعًا هذا مستحيل!

كذلك قال لنا الربُّ يسوع المسيح: «لا أعود أسمِّيكم عبيدًا، لأنَّ العبد لا يعلم ما يعمل سيِّده، لكنِّي قد سمَّيتكم أحبَّاء لأنِّي أعلمتُكم بكلِّ ما سمعتُه من أبي» (يوحنَّا 15: 15).

الكلمة اليونانيَّة المستعملة في النصِّ الأصليِّ لكلمة «عبد» هي zoulos / δούλους وتعني باللغة اليونانيَّة القديمة عبدًا وخادمًا في آن. بينما في اللغة اليونانيَّة الحديثة تعني فقط عبدًا؛ الخادم هي ypi̱réti̱s / υπηρέτης .

ولا يتعجَّبَنَّ أحد إن قلنا إنَّ عبوديَّة الله هي الحرِّيَّة، ولا حرِّيَّة من بعدها، وليس فيها تسلُّط وعبوديَّة وأهواء معيبة، بل بُنوَّة بالنعمة والروح القدس.

فحتَّى كلمة «خادم» في علاقتنا مع الله لا تليق، لأنَّها أصلًا تطلق على المستخدَم ومن يؤدِّي خدمة مقابل أجرة، لأنَّنا أبناء للربِّ ولسنا أجراء ولا مستخدمين. هناك معنى آخر للخادم، ويأتي كدرجة ثانية بمعنى مساعد. وأيضًا لا يعبِّر عن عمق علاقتنا بالله، فنحن لا نساعده بل هو الَّذي يساعدنا من دون مقابل.

وكلمة «خادم» υπηρέτης كانت موجودة في اللغة، ولم تستعملها والدة الإله عندما قالت للملاك: «هوذا أنا أمة الربِّ. ليكن لي كقولك» (لوقا 1: 38).

فكلمة أمة تعني المرأَة المملوكة، خلافُ الحُرَّة، أي عبدة، وفي اللغة اليونانيَّة الَّتي كُتب فيها الإنجيل هي أيضًا δούλους/zoulos (δούλη).

كذلك لم يستعمل بولس الرسول كلمة خادم عندما عرَّف عن علاقته مع الربِّ، بل قال جهارة: «بولس، عبد ليسوع المسيح، المدعوُّ رسولًا، المُفْرَزُ لإنجيل الله» (رومية 1: 1)، مع أنَّه هو الَّذي قال: «حيث روح الربِّ هناك حرِّيَّة» (2 كو 3: 17).

بولس استعمل كلمة «عبد» بكلِّ فخر، وقصدُ استعماله لهذه الكلمة يتجلَّى في استعماله لكلمة «الْمُفْرَزُ» ἀφωρισμένος/aphōrismenos. وهنا بيت القصيد، وهذا تمامًا ما عنته والدة الإله، أي: أنا بالكلِّيَّة لك يا إلهي، ولا يملك على قلبي غيرك يا مخلِّصي. وهنا يوجد حرِّيَّة متبادلة، فوالدة الإله وبولس، اختارا بملء حرِّيَّتهما أن يكونا للربِّ، ومفروزَين له بالكلِّيَّة.

وعندما أراد بولس أن يصف خدمته مع الله للكورنثيِّين، بمعنى عمله المجَّانيِّ للربِّ، استعمل كلمة «خادم» فقال: «هكذا فليَحْسِبْنا الإنسان كخُدَّام المسيح، ووُكلاء سرائر الله» (1 كورنثوس 4: 1). وأردفها بكلمة «وكلاء» أي مدبِّر كما جاءت في اليونانيَّة οἰκονόμοις/oikonomos.

هناك صورة رائعة لكلمة «عبد» في المعنى اللاهوتيِّ أتت في خطبة بطرس لليهود يوم العنصرة، عندما دعاهم ليقتبلوا يسوع إلهًا ليخلصوا، مستشهدًا بيوئيل النبيِّ: «يقول الله: ... وعلى عبيدي أيضًا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيَّام فيتنبَّأون» (أعمال 2: 18). بطرس دعاهم ليكونوا أحرارًا بالمسيح وليس للعبوديَّة الأرضيَّة.

حتَّى أنَّ بولس استعمل كلمة «عبد» في علاقته مع الآخرين من أجل المسيح، فقال: «فإنَّنا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع ربًّا، ولكن بأنفسنا عبيدًا لكم من أجل يسوع» (2 كورنثوس 4: 5). هو مات عن ذاته من أجل أن يعرف الناس يسوع.

وليس أجمل كخلاصة شكره للَّه في رسالته لأهل رومية مخاطبًا إيَّاهم بأنَّهم كانوا عَبِيدًا لِلْخَطِيَّةِ، وَلكِنَّهم عندما أطاعوا الإنجيل تحرَّروا من الخطيئة وصاروا عبيدًا لِلْبِرِّ (رومية 6: 17-18). وتابع بمقارنة رائعة: «لأنَّكم لمَّا كنتم عبيد الخطيَّة، كنتم أحرارًا من البرِّ» (رومية 6: 20)، ليختم قوله إنَّ ثمار عبوديَّة الله قداسة وحياة أبديَّة.

ختامًا، من يعشق المسيح يفرز نفسه كلِّيًّا له، أي يعيش بحسب كلامه، وهذا تحديدًا معنى كلمة «قدِّيس» أي «مفروز»، والربُّ ختمنا بروحه القدُّوس كما أمر ملاك الربِّ في اليوم الأخير: «لا تضرُّوا الأرض ولا البحر ولا الأشجار، حتَّى نختم عبيد إلهنا على جباههم». (رؤيا 7: 3). فمن كان مختومًا من الربِّ ينال الحياة الأبديَّة معه.

إلى الربِّ نطلب.

[1]. ودائمًا نذكِّر بأن «ابن الله» هو الأقنوم الثاني الَّذي تجسَّد، وهو الربُّ يسوع المسيح، وهو واحد في الجوهر مع الآب والروح القدس، وثلاثتهم إله واحد.