لم تمض ساعات على تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الدكتور محمد مصطفى بتشكيل الحكومة التاسعة عشرة خلفا للرئيس محمد اشتية الذي استقال مع حكومته في شباط الفائت، حتى ارتفعت الانتقادات والتساؤلات معا حول الهدف منها في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" التي بدأتها حركة "حماس" في7 تشرين الأول 2023.

وتكليف الدكتور مصطفى بتشكيل الحكومة، أظهر الخلاف الفلسطيني للعلن في ذروته بين محورين، الأول تقوده السلطة وحركة "فتح" ومعها فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" والثاني تقوده "حماس" ومعها حركة "الجهاد الإسلامي" وبعض القوى الفلسطينية المعارضة للخطوة باعتبار أن تشكيل حكومة جديدة دون توافق وطنيّ، هو تعميق للانقسام وإن "الأولوية يجب أن تتركز لوقف العدوان وحرب الإبادة والتجويع".

وتقول أوساط فلسطينية لـ"النشرة"، إن التكليف يأتي في ظلّ البحث عما سيحصل "في اليوم التالي" بعد انتهاء الحرب في غزة والجهة التي ستتولى إدارة القطاع، فيما تعلن الحكومة الإسرائيلية عن نيتها الحفاظ على السيطرة الأمنية فيه، وتؤكد رفضها قيام دولة فلسطينية رغم الضغوط الدولية، المتزايدة لإصلاح السلطة التي تدير الأراضي الفلسطينية المحتلّة وإحيائها وتحسين حكمها في الضفة الغربية حيث يقع مقرها، والتكليف يعد دليلا على استعداد الرئيس عباس لتلبية المطالب الدولية بإجراء تغيير في الإدارة.

بينما ذكرت أوساط مؤيدة للخطوة بأن رئيس الوزراء الجديد كُلف بقيادة جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في قطاع غزّة الذي دمرته حرب الابادة المستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر، إلى جانب إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية. وكان مصطفى قد ساهم في تنظيم عملية إعادة إعمار غزة بعد حرب 2014.

وقد سارعت "حماس" ومعها ثلاث فصائل فلسطينية أخرى هي "الجهاد" و"الجبهة الشعبية" و"حركة المبادرة الوطنية" الفلسطينية إلى رفض الخطوة، والتأكيد على أن "اتخاذ قرارات فردية كتشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني تعزيز لسياسة التفرد وتعميق للانقسام، وإن "هذه الخطوة تدل على عمق أزمة قيادة السلطة والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وتطلعاته"، داعية "كل القوى الوطنية خصوصا في فتح إلى التوافق على إدارة هذه المرحلة المفصلية".

وحددت الفصائل أربع اولويات:

1-إنَّ الأولوية الوطنية القصوى الآن هي لمواجهة العدوان الصهيوني الهمجي وحرب الإبادة والتجويع التي يشنّها الاحتلال ضدَّ شعبنا في قطاع غزَّة، والتصدّي لجرائم مستوطنيه في الضفة الغربية والقدس المحتلة؛ وخاصَّة المسجد الأقصى، وللمخاطر الكبيرة التي تواجه قضيتنا الوطنية؛ وعلى رأسها خطر التهجير الذي لا يزال قائماً.

2-إنَّ اتخاذ القرارات الفردية، والانشغال بخطوات شكلية وفارغة من المضمون، كتشكيل حكومة جديدة دون توافق وطني؛ هي تعزيزٌ لسياسة التفرّد، وتعميقٌ للانقسام، في لحظة تاريخيّة فارقة، أحوج ما يكون فيها شعبنا وقضيته الوطنية إلى التوافق والوحدة، وتشكيل قيادة وطنية موحّدة، تحضّر لإجراء انتخابات حرَّة ديمقراطية بمشاركة جميع مكوّنات الشعب الفلسطيني.

3-إنَّ هذه الخطوات تدلّل على عمق الأزمة لدى قيادة السلطة، وانفصالها عن الواقع، والفجوة الكبيرة بينها وبين شعبنا وهمومه وتطلعاته، وهو ما تؤكّده آراء الغالبية العظمى من شعبنا التي عبَّرت عن فقدان ثقتها بهذه السياسات والتوجهات. إنَّ من حقّ شعبنا أنْ يتساءل عن جدوى استبدال حكومة بأخرى، ورئيس وزراء بآخر، من ذات البيئة السياسية والحزبية.

4-إنَّنا في ظل إصرار السلطة الفلسطينية على مواصلة سياسة التفرّد، والضرب عرض الحائط، بكل المساعي الوطنية لِلَمِّ الشمل الفلسطيني، والتوحّد في مواجهة العدوان على شعبنا؛ فإنَّنا نعبّر عن رفضنا لاستمرار هذا النَّهج الذي ألحق ولا زال يلحق الأذى بشعبنا وقضيَّتنا الوطنية. وندعو أبناء شعبنا وقواه الحيَّة لرفع الصوت عالياً، ومواجهة هذا العبث بحاضر ومستقبل قضيتنا ومصالح شعبنا وحقوقه الوطنية، كما ندعو كافة القوى والفصائل الوطنية، وخصوصاً الإخوة في حركة فتح، إلى التحرّك الجاد والفاعل، من أجل التوافق على إدارة هذه المرحلة التاريخية والمفصلية، بما يخدم قضيَّتنا الوطنية، ويلبّي طموحات شعبنا في انتزاع حقوقه المشروعة، وتحريره أرضه ومقدساته، وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.

بالمقابل ردت "فتح" في بيان شديد اللهجة، واعتبرت أن "حماس" التي تسببت في وقوع النكبة وإعادة احتلال "إسرائيل" لقطاع غزة لا يحق لها تحديد أولويات الشعب وهي المنفصل الحقيقي عن الواقع، مستغربة في الوقت نفسه حديث حماس عن التفرد والانقسام، وتساءلت هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية أو أي طرف عندما اتخذت قرار مغامرة 7 تشرين الاول الفائت؟ هل شاورت حماس القيادة الفلسطينية وهي تفاوض الآن "إسرائيل"، وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات ولا هدف لها إلا ضمانات الأمن الشخصي لقياداتها، ومحاولة الاتفاق مع رئيس وزراء الحرب الاسرائيلي بنايمين نتنياهو مجدداً للإبقاء على دورها الانقسامي في غزة والساحة الفلسطينية؟.

وأكدت "فتح"، أن مصطفى، مسلح بالأجندة الوطنية، لا بأجندات زائفة لم تجلب إلا الويلات لشعبنا ولم تحقق إنجازاً واحداً، هل تريد حماس أن نعيّن رئيس وزراء من إيران أو أن تعينه طهران لنا؟ ومن حق الرئيس محمود عباس وبموجب القانون الأساسي القيام بكل ما فيه مصلحة شعبنا، وتكليف الرئيس للدكتور محمد مصطفى بتشكيل الحكومة، يدخل في صلب مسؤوليات الرئيس السياسية والقانونية، وهذه أولويات الشعب، ويدرك ذلك كل عاقل غير مفصول عن شعبه وعن واقع المأساة الرهيبة التي يعيشها شعبنا بغزة.

ودعت قيادة حركة حماس إلى وقف سياستها المرتهنة لأجندات خارجية، والعودة للصف الوطني لوقف الحرب وإنقاذ شعبنا وقضيتنا من التصفية، ولإغاثة شعبنا وإعادة إعمار غزة، وصولاً إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل عن أرض دولة فلسطين وعاصمتها القدس.

يذكر أن محمد مصطفى (69 عاماً) رجل اقتصاد مستقل سياسياً وكان نائب رئيس وزراء ووزير اقتصاد في حكومة الوفاق الوطني التي شكلت بمشاركة حماس سنة 2014 واستمر في المنصب سنة واحدة. واضطلع بدور رئيسي في إطلاق برنامج إعادة إعمار قطاع غزة عام 2014.

وهو عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، وشغل منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني. ويتمتع بخبرة دولية بعدما عمل في البنك الدولي في واشنطن لمدة خمسة عشر عاماً. وكان مستشاراً اقتصادياً لحكومة الكويت بشأن الإصلاح الاقتصادي، ومستشاراً لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية.