على الرغم من الإنشغال اليومي بتداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برزت، في الأسابيع الماضية، العديد من المؤشرات التي توحي بتطور ما على مستوى الأسئلة التي تُطرح عربياً، حول المرحلة التي تلي هذا العدوان، الأمر الذي ترافق مع تصاعد وتيرة التسريبات التي تحمل حركة "حماس" مسؤولية ما حصل، بسبب العملية التي قامت بها في السابع من تشرين الأول الماضي.

منذ اليوم لهذه الحرب، كان من الواضح أن العديد من الجهات العربية تنظر إليها بعين الريبة، خصوصاً أنها جاءت في وقت كانت فيه مفاوضات التطبيع تتقدم، لا سيما بين الرياض وتل أبيب، إلا أن حجم الإعتداءات التي حصلت من قبل الجيش الإسرائيلي، دفع بالغالبية إلى التغاضي عن هذه المسألة، من دون أن يلغي المخاوف من التداعيات التي قد تترتب في المرحلة المقبلة، حيث القلق من تنامي نفوذ الحركات الإسلامية في أكثر من ساحة.

إنطلاقاً من هذه الرؤية العامة، تدعو مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى قراءة الإشتباك "الكلامي"، الذي حصل حول تشييع "الجماعة الإسلامية" أحد عناصرها في منطقة الطريق الجديدة قبل أيام، حيث بادرت مجموعة من نواب العاصمة إلى إنتقاد ظهور بعض عناصر الجماعة مسلّحين، لافتة إلى أن هذا الإشتباك هو نموذج عن القلق الذي كان يتم التداول به، منذ أسابيع طويلة، حول تبدّل ما يحصل على مستوى الجو العام في الساحات السنّية.

بعيداً عن المبالغات التي يتمّ التعامل بها عند وصف الواقع على هذه الساحة، بحسب ما ترى المصادر نفسها، نظراً إلى أن التعاطف مع القضية الفلسطينية أمر طبيعي ولا يجب أن يشكل حالة إستغراب، تلفت إلى أن بداية القلق، لدى البعض، كانت منذ اللحظة الأولى لرفع صور الناطق باسم كتائب "القسام" أبو عبيدة في بيروت، قبل أن يتم لاحقاً الإعلان عن مشاركة الجماعة في العمل العسكري على الساحة الجنوبية، ثم يتم تشييع نائب رئيس مكتب حركة "حماس" صالح العاروري في الطريق الجديدة.

وتوضح هذه المصادر أنّ عمليات رفع الصور والاعلام المؤيدة، في الأيام الأولى من العدوان، كان ينظر إليها على أساس أنها أمر طبيعي، لكن التطور الذي سجل بعد ذلك لم يكن ممكنا التعامل معه، من قبل بعض الجهات الداخلية والخارجية، وفق الأساس نفسه، حيث تتوقع أن تتزايد علامات الإستفهام التي ترسم حول هذه المسألة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنها تأتي من ضمن جو عام أوسع من الساحة اللبنانية.

في هذا السياق، تلفت المصادر السياسية المتابعة أنه خلال زيارة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الأخيرة إلى بيروت، ذهب البعض إلى الترويج لمعادلة أنه الأكثر قدرة على إعادة لململة الوضع في هذه الساحة، بهدف منع إنتقالها إلى المحور المقابل، وهو ما ألمح إليه الحريري نفسه، عبر رسالة لم تأخذ حقها من النقاش، عندما أشار إلى أنه "اذا لمست أن سنة لبنان يميلون نحو التطرف ساعتها أنا بتدخل".

بالنسبة إلى المصادر نفسها، مواجهة التطرف كانت من أهم الأسباب الموجبة التي وضعت لإمكانية عودة الحريري عن قرار تعليق عمله السياسي، حيث هناك من تحدث عن أن هذا القلق موجود عند بعض الجهات الخارجية، بينما في المقابل هناك من رأى أن فريق رئيس الحكومة السابق السياسي يحاول الدفع بهذه الورقة إلى الواجهة، في ظلّ حالة القلق في الأوساط العربية من تنامي موجة من التعاطف مع "حماس"، يكون لها تداعياتها في المرحلة التي تلي العدوان.

في المحصّلة، تشير هذه المصادر إلى أنه بعيداً عن هذه السردية، التي تضع رئيس الحكومة السابق في مقدمة المستفيدين من هذا "الإشتباك"، فإنّ ما حصل هو صورة عن مجموعة من الصراعات التي من المتوقّع أن تظهر على الساحة العربيّة في المرحلة المقبلة، مع تشديدها على وجود مبالغة حقيقية في التعامل مع الشق المتعلق بالواقع اللبناني.