وسط زحمة التطورات "الساخنة" التي تشهدها المنطقة، والمفاوضات الجارية على أكثر من خطّ من أجل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، أو على الأقلّ هدنة إنسانية طويلة تضع حدًا لـ"كابوس" الحرب المستمرّة منذ السابع من تشرين الأول، تصدّرت زيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا إلى الإمارات الاهتمام، بل إنّها خطفت الأضواء إلى حدّ بعيد، وسط تساؤلات عن مغزاها وخلفيّاتها، ولكن أيضًا عن تبعاتها.

قد لا يكون هذا الصخب الذي حظيت به الزيارة مُبالَغًا به، فهي جاءت بعد سنوات من "القطيعة شبه المُعلَنة" بين "حزب الله" ودول الخليج بصورة عامة، والإمارات من ضمنها، وصلت لحدّ تصنيفه من الأخيرة أولاً، ودول مجلس التعاون الخليجي لاحقًا، "منظمة إرهابية"، وهو ما ترجم أيضًا تضييقًا على منح التأشيرات والإقامات للبنانيين الراغبين بالعمل في الخليج، ولا سيما منهم القريبين من "البيئة الحاضنة" للحزب أو المحسوبين عليها.

ولعلّ ما عُرِفت بقضية "الموقوفين اللبنانيين في الإمارات"، والتي قيل إنّها شكّلت "أساس" زيارة صفا إلى الإمارات، كانت أحد "التفرّعات" التي نتجت عن الخلاف بين الخليج والحزب، ولو تفاوتت مقاربتها بين الجانبين، في ظلّ بُعدٍ "أمنيّ" تتحدّث عنه السلطات في أبو ظبي، يتحوّل إلى "إنسانيّ" في مقاربة الحزب، الذي يصرّ على أنّ "ظلمًا" لحق بهؤلاء، الذين لم يرتكبوا أيّ ذنب، بل وُجّهت لهم اتهامات يصفها بـ"الباطلة" شكلاً ومضمونًا.

وإذا كانت الأوساط السياسية تتوقع "ترجمة" للزيارة على خط ملف الموقوفين، الذي يُرجَّح أن "يُقفَل" في وقت قريب بالنتيجة، ولو أنّ هناك من كان يراهن على أن يعودوا مع صفا في الطائرة الخاصة التي أقلّته، فإنّ علامات استفهام كثيرة تُطرَح حول ما إذا كانت الزيارة فعلاً "محصورة" في هذا الملف، وحول "ثمن" إقفاله عمليًا، فهل هي رغبة الإمارات بـ"تصفير المشاكل" فقط، أم أن "حزب الله" بدأ بـ"تطبيع" علاقاته مع دول الخليج، كما يحلو للبعض القول؟.

في المبدأ، يؤكد العارفون أنّ زيارة "حزب الله" إلى الإمارات، عبر مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق فيه وفيق صفا، وهو الذي يُعَدّ "المسؤول الأمني الرقم واحد" في الحزب، كما "مفاوضه الأول"، لا يمكن إلا أن تكون حدثًا استثنائيًا، بل "تاريخيًا" إلى حدّ بعيد، في الشكل قبل المضمون، بمعزل عن طبيعة "الأجندة"، وما إذا كانت "محصورة" بملف الموقوفين أم لا، وبغضّ النظر حتى عن النتائج السريعة والمباشرة التي يمكن أن تفرزها.

لا يشكّك هؤلاء بأن يكون ملف الموقوفين هو الذي دفع لإنجاز هذه الزيارة، ولا سيما أنّه يُعَدّ ملفًا أساسيًا بالنسبة إلى "حزب الله"، الذي كان لافتًا حرصه في الأيام الأخيرة على التأكيد أنّ الزيارة إلى الإمارات مرتبطة بهذا الملف "حصرًا"، وبالتالي التنصّل من كلّ التفسيرات والقراءات والاستنتاجات التي أعطيت لها، والتي ربطها البعض بالمفاوضات الجارية في المنطقة، فيما أعطاها البعض الآخر "بعدًا محليًا" مرتبطًا بالاستحقاق الرئاسي.

لكنّ العارفين يعتبرون أنّ ذهاب صفا شخصيًا إلى الإمارات وحده يعطي الزيارة بعدًا "أبعد وأعمق" من ملف الموقوفين على أهميته وحساسيّته، بمعزل عن رغبة "حزب الله" بتسجيل "إنجاز" من نوع إطلاق الموقوفين، خصوصًا أنّ الحزب لم يعتد أن يخوض مثل هذه المفاوضات بشكل مباشر، وهو يفضّل أن يسلّم هذا الأمر لوسطاء ذي ثقة، كان من بينهم المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي نجح في تحريك الملف سابقًا.

من هنا، يبدأ الحديث عن بعد "إقليمي" أسهم في تحقيق الزيارة، وهو ما يتكرّس بالتسريبات عن دورٍ لعبه الرئيس السوري بشار الأسد، القريب بشكل أو بآخر من القيادة الإماراتية، وهي التي كانت على رأس "المنفتحين" عليه بعد "العزلة" التي مرّ بها في أعقاب اندلاع الثورة السورية التي تحوّلت إلى حرب، علمًا أنّ بعض المعطيات تحدّثت عن "ضمانات" قدّمها الأسد إلى قيادة "حزب الله"، بل عن لقاءات بين الجانبين رعاها في دمشق قبل أبو ظبي.

وتشير المعلومات المتداولة إلى أنّ إيران لم تكن أيضًا بعيدة عن هذا الملف، وقد تجاوبت مع رغبة الإمارات بـ"تصفير المشاكل"، الذي تُرجِم "انفتاحًا" على طهران بدأ يتصاعد تدريجيًا منذ العام 2019، وبالتالي فإنّ انضمام "حزب الله" إلى حلفائه كان يفترض أن يكون "استكمالاً طبيعيًا" لهذا المسار، بل "تحصيلاً حاصلاً" بشكل أو بآخر، بمعزل عن ملف "التطبيع" بين الإمارات وإسرائيل، والذي يمكن أن يشكّل "نفورًا" لدى بيئة الحزب.

لكن، هل يعني ما تقدّم أنّ زيارة صفا إلى الإمارات، من بوابة ملف الموقوفين اللبنانيين لديها، ليس سوى "مقدّمة" لعلاقات أوسع، تتجاوز أبو ظبي ربما، لتشمل مجمل دول الخليج؟ حتى الآن، لا يبدو مثل هذا الاستنتاج "بديهيًا"، وفق العارفين، للكثير من الأسباب والاعتبارات، من بينها أن الحزب ينتظر أولاً تحقيق إنجازات واقعية وملموسة، لكن قبل ذلك، ينتظر بلورة "الصورة الجديدة" للمنطقة التي ستعقب الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة.

بهذا المعنى، قد يكون مفهومًا حرص "حزب الله" على حصر الزيارة في بعدها "الأمني-الإنساني" في هذه اللحظة بالتحديد، فإذا كان صحيحًا أنّ "التخطيط" لها بدأ منذ ما قبل عملية طوفان الأقصى، وبالتالي ما قبل اشتعال الحرب على غزة وانعكاسها على جنوب لبنان، فإنّ الصحيح أيضًا أنّ الحزب الذي لا يسلّم بفرضية "فصل المسارات"، مقتنع بأنّ ما يجري في المحيط هو الذي سيحدّد "مستقبل المنطقة" بأسرها، إن جاز التعبير.

أكثر من ذلك، يقول العارفون إنّ ثمّة "خلط أوراق" يجري في المنطقة على أكثر من مستوى، لن يكون "حزب الله" بمنأى منه، ولا سيما أنّ الحديث الذي يتناول ترتيبات "اليوم التالي" للحرب الإسرائيلية على غزة، يشمل ضمن ما يشمله ما بات يُعرَف بـ"اليوم التالي" لبنانيًا، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ الحزب يراهن على "متغيّرات" ستكون لصالحه بعد انتهاء الحرب، وهو ما يفسّر أصلاً موقفه من الاستحقاق الرئاسيّ، وتمسّكه بمرشحه "الثابت" بالانتظار.

في النتيجة، قد لا يكون لزيارة "حزب الله" إلى الإمارات، ترجمة فورية ومباشرة، بعيدًا عن "إغلاق" ملف الموقوفين، والذي يقول البعض إنّه لن يكون "تلقائيًا وسريعًا"، بل سيحتاج لبعض الوقت. لكنّ الثابت أنّ الزيارة تشكّل في جانب ما، "نقطة تحوّل" لا يجوز تجاهلها، حتى لو حاول البعض التقليل من أهميتها، بالقول إنّ العلاقة بين "الحزب" والسلطات في الإمارات لم تكن بهذا "السوء"، أو إنّ الأمر كان مجرّد "سوء تفاهم" مثلاً!.